اخبار المغرب

هل تخرج “العدل والإحسان” من “جلباب ياسين” وتدخل دهاليز اللعبة السياسية؟

انتظرت جماعة العدل والإحسان مرور أزيد من عقد على وفاة مؤسسها وزعيمها الروحي الشيخ عبد السلام ياسين، وبالضبط 11 سنة وبضعة أشهر، من أجل أن تخطو أولى الخطوات خارج الجلباب الذي ظلت حبيسة فيه منذ التأسيس، وأعلنت وثيقتها السياسية التي جاءت حبلى بالمواقف والمراجعات.

ولعل أبرز ما جاء في الوثيقة حديث الجماعة عن شكل الدولة الذي تراه وتسعى إلى الإسهام في بنائه، وهي دولة “عصرية عادلة منضبطة للتعاقد الدستوري المنبثق عن الإرادة الشعبية، دولة مدنية بكل ما يعنيه ذلك من بعد عن طبيعة الدول التيوقراطية والعسكرية والبوليسية”.

وأضافت الجماعة موضحة في وثيقتها المفصلة أنها تنشد “دولة القانون والمؤسسات القائمة على الفصل والتوازن والتعاون بين السلطات، وعلى التداول السلمي للسلطة من خلال انتخابات حرة ونزيهة ومنتظمة وفعالة، دولة تسعى عبر مؤسساتها وبرامجها إلى مشاركة المواطنين في الحياة العامة، مع خضوع مسؤوليها للمحاسبة والمساءلة بغض النظر عن مكانتهم السياسية ومواقعهم الاجتماعية”.

وزادت الجماعة مفصلة: “ننشد دولة المجتمع، أي الدولة التي تجعل أولى أولوياتها خدمة المجتمع وضمان أمنه واستقراره، والسعي الدؤوب للرقي به بعيدا عن أي تمييز بين أبنائه”. كما اعتبرت الوثيقة أن دولة المجتمع بهذه الخصائص “لا تتأتى في ظل مجتمع ضعيف تنخره عوامل التفكيك والتهميش، وتترسخ فيه آليات التجهيل، مع ما يصاحب ذلك من استقالة من الشأن العام وضعف لرقابة الشعب على مؤسسات الدولة التي تمثله”.

وفي قراءته للوثيقة السياسية للجماعة المعارضة يرى المحلل السياسي محمد شقير أن تقديم “العدل والإحسان” وثيقة سياسية في الظرفية الحالية يعتبر “تعبيرا عن توجه جديد لديها ربما، في إطار تعاملها مع النظام السياسي في المغرب، إذ إن هذه المرحلة تعتبر مرحلة تالية على مرحلة رحيل الشيخ المؤسس عبد السلام ياسين”.

وأضاف شقير، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “الجماعة بصدد البحث عن تبني توجه يعتبر مخالفا للتوجه السابق، على أساس أنها تحاول أن تتشكل كتنظيم سياسي يختلف عن مظاهر الجماعة التي كانت تتميز بها”، لافتا إلى أن “التطور الأول كان قد وقع عندما تبلورت فكرة الدائرة السياسية، والآن ربما تنتقل الجماعة إلى وثيقة سياسية على غرار الأحزاب التي تقدم مذاهبها وأوراقها السياسية”.

وذهب المحلل السياسي ذاته إلى أن “التركيز على وثيقة سياسية هو اقتباس وتبن للمصطلحات السائدة في المجال السياسي، وهذه مسألة مهمة أن تقدم الجماعة وثيقة سياسية تعتبر نوعا من التعامل السياسي باقتباس آليات مستعملة في المجال السياسي”.

وتابع المتحدث قراءته قائلا: “ربما هي رسالة سياسية إلى من يعنيه الأمر، مفادها أن الجماعة تبحث عن التموقع داخل النظام من خلال اقتباس هذا النوع من المصطلحات السياسية التي يتعامل بها في إطار سياسي غير ديني”، مؤكدا أن “الوثيقة أحاطت بمجموعة من المعطيات، تشمل الجانبين الاقتصادي والاجتماعي، وتضع أطروحات لتنظيم سياسي له رؤية سياسية خاصة بما يعرفه المغرب من إكراهات وتحديات”.

كما سجل شقير أن الوثيقة السياسية للعدل والإحسان لها رسالة أخرى تتمثل في كونها “تتعامل كتنظيم سياسي وليس كجماعة”، مبينا أنها “تبين مضمون الدولة التي تريد، فهي تريد دولة المجتمع وليس مجتمع الدولة، وتحاول أن تصوغ منظورها للدولة على أساس أن تكون في خدمة المجتمع، بدل أن يكون المجتمع في خدمتها، وهذا مصطلح مقتبس من عدة أدبيات، حتى ذات الطابع الماركسي التي تؤمن بأن الغرض من الدولة أن تكون في خدمة المجتمع وليس لاستغلال المجتمع”.

واعتبر المحلل ذاته أن “تركيز الجماعة على أنها لا تريد دولة بوليسية بل دولة تركز على الجانب الديمقراطي، وتريد أن تكون دولة مؤسسات وتطبيق القانون، يمثل اصطفافا مع مختلف التنظيمات التي تركز على الجانب الديمقراطي والاجتماعي للدولة، خصوصا في الآونة الأخيرة التي رفع فيها شعار الدولة الاجتماعية”، وزاد موضحا: “الوثيقة السياسية للجماعة تحدد منظورها للدولة وبشكل من الأشكال تقترب من الشعارات المرفوعة حاليا حول الدولة الاجتماعية، وأظن أن هناك تقاربا ونوعا من الاصطفاف ضمن ما يجري حاليا من مطالب وشعارات يعرفها المشهد السياسي”.

من جهته سجل عبد الحفيظ اليونسي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحسن الأول بسطات، أن الوثيقة السياسية للجماعة يمكن اعتبارها “وثيقة مرجعية خارج الوثائق التي كان ينتجها الشيخ المؤسس عبد السلام ياسين، وهي وثيقة تظهر المؤسسة وليس الفرد الذي هو الشيخ الذي كانت كل وثائق الجماعة تصدر عنه، وتمثل بوصلة الجماعة، سواء تنظيميا أو فكريا أو تصوريا في المجالات المختلفة”.

وأفاد اليونسي، ضمن تصريح لهسبريس، بأن “الوثيقة تضمنت مواقف سياسية كبيرة ومواقف من القضايا الكبيرة التي تعرفها البلاد، ولكنها سقطت في بعض التفاصيل بما يقربها من البرنامج الانتخابي، وكأننا لسنا أمام مشروع، وكيف تنظر الجماعة إلى قضية الدولة وقضايا المجتمع، بل أمام برنامج انتخابي يتعلق ببعض التفاصيل المتعلقة بالجانب الاقتصادي والاجتماعي”.

وتابع الأستاذ ذاته مفسرا: “كلام جماعة العدل والإحسان يستشف منه أننا بصدد البحث عن الدولة المدنية وليس الدولة الدينية، وبالتالي يمكن القول إن هذه الوثيقة تؤسس للقطيعة مع فكرتين جوهريتين أسس لهما الشيخ عبد السلام ياسين”، وزاد أن الفكرتين تتمثل أولاهما في “التوبة العمرية التي تأمر بصلاح الحاكم، والفكرة الثانية تتعلق بمفهوم الخلافة الذي كان محوريا في الرؤية السياسية للجماعة”، مبرزا أننا اليوم أمام “قطيعة مع هذا المفهوم”.

كما أشار المتحدث إلى أن “الوثيقة على أهميتها يبقى الغائب عنها هو الموقف الواضح من المؤسسة الملكية”، معتبرا أنها “لم تجب عن أهم إشكال يجعل الجماعة خارج اللعبة السياسية”.

واستدرك المحلل السياسي ذاته قائلا: “لكن في المجمل هذه الوثيقة تحتاج إلى دراسة نقدية لكي يتم دفع جماعة العدل والإحسان إلى المزيد من المراجعات، لأن المغرب في حاجة إلى جميع قواه لمواجهة التحديات الكبيرة في المستقبل، سواء السياسية أو الاجتماعية والاقتصادية”.