اخبار المغرب

مسارات مغاربة في اسكندنافيا .. أحمد بوتليس يجمع التربية والثقافة المغربية بأوسلو

يعد أحمد بوتليس واحدا من الرعيل الذي عاش “أحداث 1984” في الناظور ونواحيها، وشاهدا على حصة وفيرة من المحنة التي تبعتها في منطقة الريف المغربية، وبناء على خلاصات هذه التجربة اختار الهجرة إلى الديار الأوروبية، ثم الانتقال من إسبانيا للاستقرار في العاصمة النرويجية أوسلو.

يمتلئ قلب بوتليس بالحب للمغرب والمغاربة، ورصيده الشخصي والمهني يحمل آثار محطات عديدة في خدمة كل ما يرتبط بالوطن الأم في عموم منطقة اسكندنافيا، سواء من موقعه كفاعل ديني وثقافي نشيط، أو من خلال ما يقوم به عبر ارتباطه بمهنة التربية والتكوين لسنوات طويلة.

التنافس في الناظور

ينتمي أحمد بوتليس إلى منطقة “سوطولازار” لقبيلة بني بويفرور في منطقة الريف المغربية، وقد رأى النور فيها سنة 1962 ضواحي مدينة أزغنغان بإقليم الناظور، وبالحيز الجغرافي نفسه شب وترعرع حتى وصول موعد انتقاله إلى الديار الأوروبية أواسط ثمانينيات الألفية الماضية.

ويقول أحمد: “كانت أياما جميلة حقا، خاصة ما عشته في الريف من تنافس مع مجموعة من أقراني، إذ جمعنا الإقبال بجد على التحصيل في كافة الأطوار التعليمية، ومراكمة التفوق تلو الآخر، بينما الهجرة لم تكن حاضرة في ذهننا وإن برزت في مرحلة لاحقة”.

تحصل بوتليس على شهادة الباكالوريا سنة 1985، في مرحلة حرجة اجتماعيا نتيجة ما أسفرت عنه “أحداث 1984” في مدينة الناظور وضواحيها، وحضور تخوفات من تكرار الصدامات المشتهرة بتواجد عدد كبير من التلاميذ وقتها، ليقرر المنهي دراسته الثانوية الالتحاق بالخارج بنية البحث عن آفاق واعدة بمستقبل أفضل.

من إسبانيا إلى النرويج

استغل أحمد بوتليس توفره على إخوة سبقوه إلى الاستقرار في إسبانيا كي ينتقل إلى العيش في المملكة الإيبيرية، مراهنا على هذا الفضاء الجغرافي القريب من الوطن الأم كي يبقى قريبا من العائلة في منطقة الريف، من جهة، والاستعانة برصيده المعرفي في اللغة الإسبانية للبصم على مسار يفضي إلى التميز.

وعن الفترة الزمنية ذاتها يذكر بوتليس: “استفدت كثيرا من تواجد إخوتي في إسبانيا إلى درجة عدم شعوري بأي اغتراب عندما وضعت الرحال في هذا البلد، لكن مدة البقاء هناك لم تستمر مدة طويلة، إذ شاءت الأقدار أن أقوم بخطوة هجرة إضافية نقلتني إلى التواجد في المملكة النرويجية حتى الآن”.

وجاءت هذه الطفرة في مسار الوافد على أوروبا من نواحي الناظور بحلول سنة 1986، إذ التقى بامرأة تحمل جنسية النرويج، ومعها انتقل إلى الفضاء الاسكندينافي عقب اقتناع الاثنين بالزواج لإرساء دعائم نواة أسرية، والاشتراك في تقديم الدعم لبعضهما البعض عند مواجهة التحديات التي تحبل بها الحياة.

إستراتيجية واضحة

استشعر المتأصل من قبيلة بني بويفرور الاختلاف بين التواجد في إسبانيا والاستقرار بالنرويج بمجرد وصوله إلى أوسلو، متلمسا المشقة في الثبات على أرض بعيدة جغرافيا وثقافيا عن المغرب، وواعيا بضرورة العمل على التأقلم مع المستجدات لتحقيق اندماج نوعي في المجتمع النرويجي.

ويقول أحمد في هذا الإطار: “حرصت على التعامل مع الناس بأخذ ما هو إيجابي من معاملاتهم، وبالتالي قررت القيام بتجاهل كل السلبيات وفق تقديري لمجريات الأمور، ووفق هذا الخيار الإستراتيجي أحرزت تقدما في بناء العلاقات الاجتماعية واكتساب الثقة، بلا سقوط في فخ الانسلاخ عن القناعات الشخصية”.

ويذكر بوتليس أن الشهور الأولى لعيشه في النرويج شهدت وقوفه على البرودة التي تسم معاملات المجتمع، وكأن سلوكيات الناس تتأثر بالظروف المناخية السائدة في أراضي بلادهم، لكن توالي السنين جعله يضبط العادات والتقاليد المحلية كي يحقق الاخبار السعودية مع المحيطين به دون أدنى إشكال.

زمن السهولة

عمل أحمد بوتليس على استهلال مرحلة هجرته الثانية بالإقبال على تعلم اللغة النرويجية، مستفيدا من الدعم الذي وفرته له زوجته كي يفلح في تحقيق هذا المبتغى، ثم المبادرة إلى التحرك بحثا عن فرص تتيح له التطور شخصيا ومهنيا في رهاناته الجديدة.

“الوضعية لم تكن كما هي اليوم في النرويج، إذ وصلت في وقت كانت الفرص أكثر حضورا ووضوحا، دون تمييز بين السكان الأصليين والوافدين، لذلك ارتأيت الشروع في العمل بتقديم خدمات وسط دار للعجزة، وحينها كان التركيز أيضا على استكمال الدراسة في تخصص علم النفس والبيداغوجيا، استنادا إلى شهادة الباكالوريا التي حصلت عليها في المغرب”، يعلن بوتليس.

بعد الحصول على شهادة للتعليم العالي في الميدان الذي اختاره، ارتأى النوريجي المغربي عينه الاشتغال في مجال التربية والتكوين، لذلك التحق بأطقم التعليم العمومي من أجل الحصول على أكبر قدر من التجربة الميدانية، والتشبث بالمواظبة على التكوين والتكوين المستمر للارتقاء من مرتبة إلى أخرى.

إغناءات ماخبار السعوديةة

كانت بداية المسار المهني للقادم من “سوطولازار” بصفة منشط تربوي في مدرسة عمومية، منطلقا من توفير الحاجيات التعليمية التي يحتاجها تلاميذ الصفين الأولين من التعليم الأساسي، ليحرص على جمع هذا الأداء التطبيقي بالتكوين النظري في علوم التربية وتشعباتها الآخذة في التزايد كل يوم.

ويقول أحمد بوتليس: “حضر التطور في مساري المهني بحكم التعاطي مع دفعات من صغار السن المنتمين إلى جيلين، كما حرصت على تقديم دعم إضافي للأولياء بعدما صرت أرحب بتوفير الترجمة للآباء والأمهات من أصول أجنبية خلال مشاركتهم في لقاءات واجتماعات مع الإدارة التربوية، معتبرا أن القيام بذلك يرتبط بدوري كأستاذ يوفر بيئة مشجعة لكل المتمدرسين”.

يفخر مراكم 36 سنة من العيش في النرويج باختياره مهمة التدريس من أجل شق مسار يليق به في تجربة الهجرة التي جعلته يبتعد عن المغرب، إذ يؤكد أنه راض تماما عن الاختيار الوظيفي الذي بصم عليه، وأن السعادة تغمره حين يلتقي بتلاميذه السابقين ممن صاروا مفيدين لأنفسهم وللمجتمع في عدة ميادين.

الشق التطوعي

يرتبط أحمد بوتليس بمبادرات في العمل الجمعوي، أبرزها الإقبال على التطوع من أجل الإشراف على الأداء التعليمي لمسجد التوبة في العاصمة النرويجية أوسلو، ويتعلق الأمر بعطاء إضافي لهذه المعلمة الدينية يتيح تعلم اللغة العربية وتحفيظ القرآن الكريم للجاليات المسلمة عموما، وللمنتمين إلى صفوف الجالية المغربية خصوصا.

ويعلق أحمد على هذا الأداء في إطار المجتمع المدني بقوله: “كانت التجربة ثرية وقت تولي هذه المسؤولية التعليمية والثقافية، وإلى حد الآن لا أتردد في إبداء الدعم لكل ما يتصل بمجهودات مسجد التوبة من أجل تشجيع المسلمين المستقرين في أوسلو، وبينهم غالبية تنحدر من مناطق مختلفة في وطني الأم، حتى يسيروا على الطريق الصحيح في النرويج دون الابتعاد عن مقوماتهم الثقافية والدينية”.

من جهة أخرى، يؤكد بوتليس توفره على طموحات إضافية تنصب على غرس الثقافة المغربية في الأجيال الصاعدة، بمختلف تعابيرها وتجلياتها، وهو ما يعمل على تحقيقه عبر الانخراط الجاد والمسؤول في كل المبادرات الجادة التي يرسي دعائمها “مغاربة اسكندنافيا”، بانفتاح على اشتغالات في السويد والدنمارك خصوصا.

السابق واللاحق

لا يتردد أحمد بوتليس في التعبير عن كونه يرى المنخرطين في تجارب الهجرة خارج المغرب مطالبين بالحفاظ على الثقافة الأصلية، دون التنازل على أي قسط منها، ويرى أن من يهجر ثقافته لا يمكنه أن يلتزم بأحلامه ولا الوفاء بوعوده أو المراهنة على تقديم الإضافة لغيره بعدما بتر جزءا منه.

ويستند بوتليس إلى تجربته كي يوصي الباحثين عن مسارات جيدة في النرويج بالعمل على مراعاة خصوصيات مجتمع الاستقرار، واستدعاء التعامل بذكاء مع فرص التطوير من القدرات الشخصية والمهنية، حيث يبقى المطلوب استجماع إرث الماضي ومتغيرات الحاضر وتطلعات المستقبل في باقة واحدة تتلمس الطريق نحو كل ما هو مشروع قانونا وعرفا.

“أدعو المتمرسين من أبناء الجالية المغربية في الخارج إلى مد يد العون صوب الجيل الجديد الذي يلحقهم، هم مطالبون بالحرص على نقل الخبرات كي تتم الاستفادة من مدراكهم، وبالتالي المساهمة في دعم من يبتغون السير على طريق التميز وإبراز وجه مشرق للمغرب والمغاربة عبر العالم”، يختم أحمد بوتليس.