اخبار المغرب

مصير تركيا على المحك .. هل يصمد أردوغان في الانتخابات المقبلة؟

استطاع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تكوين قاعدة شعبية ارتكز عليها على مدار نحو عقدين له في السلطة من خلال الدفع بسياسات عززت أسهمه لدى قطاع عريض من الأتراك، لكن هل يصمد أردوغان في الانتخابات القادمة وسط ما تشهده بلاده من ارتفاع كبير في مستويات التضخم وتراجع في قيمة الليرة التركية والتحديات الناجمة عن آثار الزلزال المدمر الأخير؟

يقول الدكتور هنري بارك، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة ليهاي في بنسلفانيا زميل أول مساعد لدراسات الشرق الأوسط في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، في تقرير نشرته مجلة “ناشونال إنتريست الأمريكية”، إنه من المقرر أن يتوجه الأتراك إلى صناديق الاقتراع في 14 ماي، في واحدة من أكثر الانتخابات أهمية لهذا العام. فتركيا بلد مهم، وتعد التحالفات المتنافسة والقادة المتنافسون بحلول ومقاربات متميزة لمواجهة التحديات المنتظرة.

ويتحدث بارك عن هزيمة محتملة للرئيس الحالي، رجب طيب أردوغان، وحزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه. ويقول إنه مع ذلك، فإن الحقيقة هي أن أياما مضطربة تنتظر تركيا إذا هزم أردوغان بعد عشرين عاما من الحكم. وذلك لأن النظام السياسي التركي منقسم بشدة ومستقطب ويحتاج إلى خريطة طريق محددة جيدا للانتقال السياسي.

وعلاوة على ذلك، فإن التغييرات السياسية الهيكلية التي تعهد بها ائتلاف المعارضة بقيادة حزب الشعب الجمهوري ورئيسه كمال كليتشدار أوغلو، تمثل تحولا كاملا في النظام.

وستكون المرحلة الانتقالية صعبة لأن الحكومة الجديدة ستواجه ثلاثة مشاكل فورية: الاقتصاد، ووضع مؤسسات الدولة، والحكم وسط الفوضى على جميع مستويات المجتمع والسياسة.

ويقول بارك إن أكثرها إلحاحا هو الوضع الاقتصادي المتردي الناجم عن سوء الإدارة، الذي تفاقم بسبب زلزال 6 فبراير المدمر. لذلك، يجب على الحكومة أن تقدم بسرعة حزمة مالية تعالج معدل التضخم المرتفع، وأزمة الحساب الجاري وانخفاض قيمة الليرة ومعالجة الخسارة الدراماتيكية للثقة في الاقتصاد التركي.

وتقدر التكلفة الناجمة عن الزلزال بما يتراوح بين 8 و12% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو مبلغ هائل. وبالنظر إلى مدى ضعف أداء حكومة أردوغان بعد الزلزال، فإن التوقعات بأن تقوم الحكومة الجديدة بإعادة تأهيل ضحاياه والبنية التحتية للولايات المتضررة لا بد أن تكون عالية. ومع ذلك، فإن مثل هذه النفقات سوف تصطدم بإدخال سياسات اقتصادية أكثر تقليدية، بما في ذلك رفع أسعار الفائدة. وفي مثل هذه البيئة الصعبة، يجب على الحكومة الجديدة كسب الدعم المحلي من خلال أن تصبح شفافة وصادقة قدر الإمكان في شرح سياساتها لشعب فقد الثقة خلال العقد الأخير من حكم أردوغان.

ويرى بارك أن الخبر السار هو أن قاعدة التصنيع التركية صلبة وقادرة. وهي بحاجة إلى مضاعفة جهودها لزيادة صادراتها وتنويعها، جغرافيا في المقام الأول، وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر مرة أخرى. وستحتاج تركيا إلى مساعدات أجنبية كبيرة لتحقيق ذلك، والحصول على أموال لإعادة الهيكلة. ومن المرجح أن يأتي هذا الدعم بشكل رئيسي من الولايات المتحدة وأوروبا.

التحدي الثاني في رأي بارك، هو تنفيذ عملية انتقالية لا مثيل لها في تاريخ تركيا الحديث. ويرجع ذلك إلى أن أردوغان، “السياسي الشعبوي الاستبدادي البارع” خلال فترة حكمه، وضع كل مؤسسة حكومية ومجتمعية ذات أهمية تحت هيمنته. ومن النظام القضائي إلى البنك المركزي والجامعات الحكومية ومعظم الصحافة والبرلمان والجيش والبيروقراطية، كل قد تم تجريده من استقلاليته.

المهمة الثالثة هي إنشاء هيكل حكم متماسك من مجموعة متباينة من الحلفاء والشركاء الخارجيين مع معالجة القضايا الخلافية والمثيرة للانقسام التي تفرق بينهم. ومن المفهوم أن التركيز سينصب على الوعد بالعودة إلى النظام البرلماني والتخلص من النظام الرئاسي المفرط. وستتطلب هذه المهمة الضخمة تخطيطا ونقاشا دقيقين وبضع سنوات لإنجازها.

ويقول بارك إن زعيم المعارضة، كليتشدار أوغلو، هو شخص حسن النية وإن كان غير مبدع ويأتي من خلفية بيروقراطية. ومع ذلك، فقد فاق كل التوقعات من خلال إدارة حملة ذكية بأسلوب هادئ وغير تصادمي، وهو ما يتناقض بشكل صارخ مع أردوغان، الذي بذل قصارى جهده لتوظيف خطاب مثير للانقسام غالبا ما اعتبرت فيه انتقادات الرئيس خيانة وتستحق المحاكمة.

ويتساءل بارك: “هل سيقوم أردوغان، الذي لديه حاشية كبيرة لحمايته بالإضافة إلى عائلته وحلفائه في الصحافة والبيروقراطية والقطاعات الأخرى، بمحاولة نزع الشرعية عن الانتخابات؟”، ويقول إن الرئيس التركي جرّب ذلك مرة واحدة عندما خسر حزبه رئاسة بلدية إسطنبول في عام 2019 واختلق ذريعة لإعادة الانتخابات المحلية. وجاء ذلك بنتائج عكسية عليه، حيث صوت سكان إسطنبول بأعداد أكبر بكثير لمعارضته.

ومع ذلك، ومن أجل انتقال سلمي، قد ترغب الحكومة القادمة في النظر في التوصل إلى تفاهم مع أردوغان وعائلته يوفر لهم الحصانة ووعدا بأنهم سيتركون وشأنهم، شريطة ألا ينخرطون في الخداع الانتخابي ويتدخلون في جهود الحكومة القادمة لتشكيل إدارة تحكم البلاد.

ومن المرجح أن تواجه القيادة الجديدة تحديات غير متوقعة. ومن المتوقع أن تتحرك الجماعات المختلفة التي كانت مستهدفة سابقا من قبل حكومة أردوغان بسرعة ضد معذبيها السابقين بمجرد إعلان نتائج الانتخابات.

ويمكن للمرء أن يتصور، على سبيل المثال، أكاديميين وطلاب جامعة بوجازيتشي، الذين واصلوا وقفة احتجاجية ضد الكوادر التي عينها أردوغان والتي نهبت واحدة من أفضل المؤسسات التعليمية في البلاد، في محاولة للاستيلاء على الجامعة بالقوة.

ونظرا للقضايا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المحلية الضخمة التي تنتظر الحكومة الجديدة، من المرجح أن يتم التركيز على تحسين العلاقات مع الغرب، الذي تحتاج تركيا بشدة إلى دعمه لتمويل جهود إعادة الإعمار الضخمة بعد الزلزال وتحقيق الاستقرار في الاقتصاد. ولسوء الحظ، في هذه المرحلة المبكرة، من شأن نزاعات السياسة الخارجية أن تحول الانتباه والطاقة عن المهمة المطروحة.

ومن المرجح أن تتوصل واشنطن وأنقرة إلى اتفاق بشأن وجود القوات الأمريكية المتمركزة في شمال سوريا التي تشارك الأكراد المحليين في محاربة تنظيم “داعش”. وكان هذا مصدرا مهما للتوتر بين البلدين.

وأخيرا، تريد أوروبا والولايات المتحدة رؤية قيام تركيا بتغيير عكسي لمسار الاستبداد في عهد أردوغان. وتحقيقا لهذه الغاية، من مصلحتهما أيضا أن تتساهلا قدر الإمكان مع أي حكومة جديدة في تركيا.