اخبار المغرب

نخوة مغربية.. “كتاب بديع” يحتفي بالفرس وتقاليد “التبوريدة” في المملكة

“نخوة مغربية” يعكسها الفرس المغربي وتقاليد الفروسية المرتبطة به إلى اليوم، يتحدث عنها “كتاب بديع” جديد، صادر عن دار أبي رقراق للطباعة والنشر.

باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية، صدر هذا الكتاب بعنوان “نخوة مغربية.. الفرس المغربي الأصيل”، وأعده الباحثان إدريس القري وعفيفة الحسينات، وترافقُ نصوصَه صور تشدّ النّاظر وتجول به في تفاصيل احتفاء المغاربة بالفرس التقطتها عدسة مصطفى مسكين.

في هذا الإطار، يذكر أن تقاليد “التبوريدة” أو الفروسية قد دخلت في سنة 2021 ضمن لائحة التراث الثقافي غير المادي للإنسانية، باسم المغرب. وتحضر تقاليد “التبوريدة” أيضا في الجارة الشرقية للمملكة، الجزائر.

ويتتبع هذا الكتاب تقاليد المغاربة في الاحتفاء بالفرس، وعلاقتهم به، حربا وسلما، وجمالياته، خاصة في علاقة بتقليد “التبوريدة” الضارب في القدم، والانتشار، بالمجتمع المغربي.

ويقول كتاب “نخوة مغربية” إن “فرس المغرب” كائن “يَنحفر وجوده في قلب ثقافة متجذرة لتاريخ ملحمي”؛ وهو “أمازيغي عربي تم تدجينه منذ آلاف السنين، حيث كان فرسا حرا طليقا مستعصيا على الترويض بشمال إفريقيا”.

وحول أصول تسمية “الفرس الأمازيغي”، أو “الفرس البربري”، ذكر الكتاب أنه قد كانت تطلق عليه كلمة “barbe” الأوروبية، المستوحاة من الكلمة الإغريقية “Barbaricus” التي تعني “الشعوب التي لا تتكلم اللغة الإغريقية، وهي شعوب الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط”.

وتابع المصدر ذاته: عرف تاريخ المغرب “حضورا قويا للفرس البربري، باعتباره رمزا وأسطورة للنبل والوفاء والذكاء وقوة التحمل”، وينحدر هذا “الفرس المغربي الأصيل” من “مجموعة من الخيول الناجية من العصور الجليدية”، حيث “استطاع أمازيغ تلك الفترة القديمة ترويض الحصان، وضمان استمراريته لآلاف من السنين”؛ وهو “ما أكدته نتائج دراسات علمية أجريت على حفريات قديمة وتحليلات لأحماض نووية. كما عزز هذا الطرح العلمي اكتشاف نقوش صخرية تدل على وجود قديم لعمليات تدجين منهجية لهذه الخيول، وذلك لغرض توظيفها في الصيد والحروب وعروض الفروسية والتنقل”.

كما أن للفرس “مكانة بارزة في التاريخ المغربي”؛ حيث “يحتل مرتبة مرموقة في قلب الشعب المغربي بمختلف مكوناته. وكانت سلالة الفرس الأولى في تاريخ شمال المغرب هي الفرس البربري قبل أن يأتي العرب إلى المنطقة بسلالاتهم الخاصة، أي الفرس العربي”.

هكذا، جاء “الفرس العربي – البربري” نتيجة “تهجين جرى بين هاتين السلالتين، ولكليهما القدرة على التأقلم مع المحيط الطبيعي القاسي الذي يقل فيه الكلأ والماء”.

وأضاف الكتاب: “ارتبط ملوك المغرب تاريخيا ارتباطا عميقا بالفرس”؛ فقد كان “جزءا من تقليد إسلامي حربي عريق”، و”كانت الأسرة الملكية دائما في مقدمة المهتمين بالفرس من خلال إقامة التظاهرات، وتشجيع البنايات المهتمة بعالم الفرس والفروسية”.

وتحدث “الكتاب البديع” عن تعلق المغاربة بالفرس، وإحلالهم إياه محلّا مميَّزا “من باب حب الزينة، والمتعة الذاتية، وأيضا من باب الشغف الكبير لدى البعض”. ثم زاد: “لقد ظل يستعمل شعبيا ويظهر في مناسبات متعددة كالأعياد وحفلات ختان الأطفال والزفاف والمواسم الشعبية والتبوريدة (…) وسباقات الفروسية ورياضاتها”، كما “ظلت الخيول البربرية على مر الزمان الرفيق التقليدي للرُّحَّل في تنقلاتهم عبر جبال الأطلس المتوسط والهضاب العليا. كما كانت أفضل مشارك لفرسان مملكة نوميديا الأمازيغية”.

ويهتم الكتاب، أيضا، بجماليات لباس الفارس والفرس، من صناعة للسَّرْج، أي رحْل الدابة، سماها الكتاب “تحفة الصناعة التقليدية”، مسلطا الضوء على ما تتطلبه من تدخل “عدد مهم من التخصصات المهارية؛ مثل: النجارة والصباغة والحدادة والطرازة وفتل الخيوط، بالإضافة إلى دباغة الجلد والخياطة”. قبل أن يذكر أن السّرْج غالبا ما يكون “مطرزا بالحرير أو الخيوط الذهبية اللون أو “الصقلِّي” كما يسميه المغاربة”.

كما اهتم كتاب “الفرس المغربي الأصيل” بلباس الفارس المتكون من “جلباب، وفرجية، ونطاق الخصر، وسلهام، وحذاء جلدي، وعلبة بارود معلقة على الكتف بحبل ملون مضفور بديع المنظر، علاوة على خنجر متدلّ على الجانب المقابل”، مسجلا ما يضاف إليه من “غطاء أبيض أصيل (الرّزَّة) لرأس الفارس” التي تتناغم مع “ملابس الفرس والفارس المتعددة الألوان”.

فن التبوريدة خصَّصَ له الكتاب نصا وصورا، جزءا مهما، تحدث فيه عن “المقام البديع من المجد الذي تتضافر سرباته في التبوريدة على إعادة عزف نشيد جماعي بألوان زاهية، وطلقة بارود متناغمة تحمل بين ذراعيها رسالة حب وتعايش بين الأجيال، وبين مكونات المغرب الواحد والموحَّد”.

عرض التبوريدة أو “الفانتازيا الشعبية”، كما سماه المنشور الجديد، يبدأ بـ”اصطفاف أحصنة سرب الخَيّالة، وانطلاقهم في العدو بذات السرعة، وإطلاق البارود جماعيا وفي الوقت نفسه، من فوهة بنادقهم الخشبية التقليدية”.

ويتجلى “سحر” هذه “التبوريدة”، وفق المصدر نفسه، في كونها “طقسا احتفاليا وفلكلوريا متجذرا في المتخيل المغربي المشترك؛ فهي ترتبط بتقاليد وعادات تجمع ما بين الديني والدنيوي. وغالبا ما تكون مصاحبة بأغان ومواويل ومجموعات موسيقية تقليدية (النفار والطبالة والغياطة)، التي تتغنى وتُذكّر ببطولات فردية وبأحداث تاريخية وبوجدان مشترك”.

ووصف الكتاب سربة التبوريدة بكونها “إعادة إنتاج أزليّ لهجوم عسكري لمحاربين دفاعا عن الوطن والاستقرار والأمن كلما اقتضى الأمر ذلك”، يتناغم فيه “العزف بالزغاريد وانسجام فارس وفرس وتلاحم بدنَيهما انخراطا في طقس جماعي جذاب ينسكب على مسافة جري يختزل الماضي والحاضر في لحظة فرجة رفيعة، ثم طلقة جماعية تتويجا لمناداة الفرسان على المقدّس واحتماء بظلال جماله”.

هذا الطقس يؤديه “رجال شيبٌ وشباب، يمتطون بكبرياء ظهور أفراس مغربية أصيلة، ولباس أبيض في الغالب مزين بكل الألوان وبرانسَ وعمامات وخناجر وأحذية تقليدية (تماكَ) على الرِّكاب ثابتة ثبات الطقوس المتجذّرة في الذاكرة”.