اخبار المغرب

رشيد حموني*: لا نريد المساس بالنصوص القطعية في القرآن وندعم المساواة بين الرجل والمرأة (حوار)

ما تقييمك للمسار الذي سبق ورش إطلاق مراجعة مدونة الأسرة؟

 منذ اعتلاء جلالة الملك، حفظه الله العرش، ما فتئ يولي عناية خاصة بالأسرة، باعتبارها النواة الأساسية للمجتمع المغربي المتضامن والمتماسك، وبحقوق النساء، فكانت من بين أولى الأوراش الإصلاحية التي تمت مباشرتها في عهد جلالته هي مدونة الأسرة، حيث قاد أميرُ المؤمنين إصلاحاً هاماًّ أولاً أسفر عن مدونة 2004 التي جاءت بمكتسبات هامة للأسرة بجميع مكوناتها، وللمرأة بصفة خاصة.

ثم كان دستور 2011 الذي أتى بجيلٍ جديد من الحقوق التي كرست المساواة بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات، ونَصَّ على مبدأ المناصفة كهدفٍ تسعى الدولةُ إلى تحقيقه.

وفي خطابه السامي، بمناسبة الذكرى 23 لتربع جلالته على عرش أسلافه المنعمين، في يوم السبت 30 يوليوز 2022، أكد جلالته على ضرورة المشاركة الكاملة للمرأة المغربية في كل المجالات، وعلى أنَّ تقدم المغرب يبقى رهينا بمكانة المرأة، وبمشاركتها الفاعلة في مختلف مجالات التنمية.

 كما جاء في هذا الخطاب السامي أن “الأمر لا يتعلق بمنح المرأة امتيازات مجانية، وإنما بإعطائها حقوقها القانونية والشرعية. وفي مغرب اليوم، لا يمكن أن تُحرَمَ المرأة من حقوقها“.

كما جاء في خطاب جلالته أنَّ مدونة الأسرة الحالية، رغم أنها حققت قفزة إلى الأمام، فهي لم تعد كافية، حيث أبانت التجربة عن عدة عوائق، وأن المدونة هي للأسرة كلها، وليست خاصة بالمرأة فقط، لذلك فالمدونة يتعين أن تقوم على التوازن، بأن تُعطي للمرأة حقوقها، وتعطي للرجل حقوقه، وتراعي مصلحة الأطفال. فتمكين المرأة من حقوقها، لا يعني أن ذلك سيكون على حساب الرجل، كما لا يعني كذلك أنه سيكون على حساب المرأة.

كما أكد جلالة الملك، في خطاب العرش ذاته في سنة 2022، على أنه يتعين تجاوز الاختلالات والسلبيات، التي أبانت عنها التجربة، ومراجعة بعض البنود التي تم الانحراف بها عن أهدافها. وبصفته أمير المؤمنين، أكد على أنه لن يُحِلَّ ما حرم الله، ولن يُحرم ما أحل الله، لاسيما في المسائل التي تؤطرها نصوص قرآنية قطعية.

وبهذا، يحرصُ جلالة الملك على أن يتم إصلاحُ المدونة في إطار مقاصد الشريعة الإسلامية، وخصوصيات المجتمع المغربي، مع اعتماد الاعتدال والاجتهاد المنفتح، والتشاور والحوار، وإشراك جميع المؤسسات والفعاليات المعنية.

 

  كيف تلقيتم المبادرة الملكية القاضية بمراجعة المدونة الحالية للأسرة حاليا؟

 تلقيناها بارتياحٍ كبير وتقدير عالي، حيث لا يمكننا سوى الاعتزاز بالرسالة الملكية السامية التي وجهها جلالتُهُ إلى رئيس الحكومة بخصوص إعادة النظر في مدونة الأسرة، وذلك بالموازاة مع إسناد الإشراف العملي على إعداد مقترح إصلاحها إلى وزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، وذلك بعد إجراء مشاوراتٍ، داخل أجل ستة أشهر، مع هيئاتٍ مؤسساتية ومجتمعية وعلمية، قبل اعتماد مشروعٍ يُعرض على البرلمان.

إنها خطوة ملكية تبرهن، مرة أخرى، على العناية بأوضاع الأسرة، امرأة ورجلاً وأطفالاً، وحرصه المولوي على المساواة ومكانة المرأة المغربية.

 

ما تعليقكم على تركيبة الأطراف التي تم تكليفها بإعداد مقترح إصلاح المدونة؟

 مدونة الأسرة، رغم أنها نص قانوني، إلا أنه ليس نصا قانونيا عاديا في مجتمعنا المغربي، فهي مسألة مجتمعية يتداخل فيها التشريعي القانوني، والديني، والاجتماعي، والحقوقي، والثقافي، والقضائي.

لذلك، لا يمكن أبداً أن نتصور إمكانية استئثار جهة وحيدة بهذا الإصلاح، لا سيما وأن بلادنا، والحمد لله، تتوفر على ثقافةٍ تعددية، بما يجعل فيها الآراء والتوجهات متنوعة ومختلفة.

ولأن الدستور، الذي أجمعت عليه الأمة، يكرس مكانة الملك كحَكَمٍ أسمى ورمزٍ للأمة وضامنا للوحدة ولحقوق وحريات المواطنين، وأميراً للمؤمنين، فإنه من الطبيعي جدا أن يقود جلالة الملك هذا الإصلاح ذا الطبيعة الخاصة، وأن يحيطَه بكل شروطِ الإشراك والإنصات لجميع التوجهات، بما من شأنه أن يؤدي إلى مقترحٍ تجمِع عليه مكونات المجتمع المغربي.

فهذا الإصلاح الأساسي، إذن، سيتم تحت إشراف جلالة الملك، ويُسهم في بلورته رئيس الحكومة، مع الإشراف العملي والجماعي والمشترك لوزارة العدل، والمجلس الأعلى للسلطة القضائية، ورئاسة النيابة العامة، ومع الإشراك الوثيق للمجلس العلمي الأعلى، وللمجلس الوطني لحقوق الإنسان، والسلطة الحكومية المكلفة بالتضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، ومع الانفتاح على هيئات وفعاليات المجتمع المدني والباحثين والمختصين.

وسيتم رفع مقترحات التعديلات التي ستنبثق عن هذه المشاورات التشاركية الواسعة، إلى النظر السامي لجلالة الملك، في أجل أقصاه ستة أشهر، وذلك قبل إعداد الحكومة لمشروع قانون في هذا الشأن، وعرضه على مصادقة البرلمان.

إذن لا يسعنا سوى أن نعبر عن الارتياح العميق لهذه المنهجية المُحكَمَة والحكيمة في إعداد مقترح إصلاح مدونة الأسرة.

 

ما مقاربتكم في فريق التقدم والاشتراكية لهذا الإصلاح؟

 نحن ننتمي إلى مدرسةٍ سياسية وطنية وتقدمية، تؤمن بالتحديث وتناضل من أجله، في إطار الثوابت الوطنية والمرجعيات الدستورية، بما فيها مرجعية الدين الإسلامي السمح والمرجعية الكونية لحقوق الإنسان. وننتمي إلى مدرسة سياسية توجد مسألة المساواة في قلب هويتها ومرجعيتها وتوجهاتها.

معنى ذلك، أننا ندافع عن أقصى درجات إقرار المساواة، في إطار الثوابت الوطنية والدستورية طبعاً. مع ما يعنيه ذلك من ضرورة إعمال العقل والاجتهاد المتنور والمنفتح، لأن هناك فرقا ما بين النصوص الدينية القطعية التي لا جدال فيها، وما بين المقتضيات التي لا تستند سوى إلى التقاليد والممارسة الاجتماعية، أو إلى تأويلاتٍ جامدة، ويتعين بالتالي تغييرها.

 

ما نظرتكم للنقاش الذي يجب أن يرافق إعداد مدونة جديدة للأسرة؟

 نتذكر أن حدة التشنجات قبل إعداد مدونة 2004 كانت كبيرة، ووقعت اتهامات واتهامات متبادلة بين المحافظين والتحديثيين في المجتمع. وكان هناك تشدد من عدد من الأوساط. لكن في الأخير وصلنا، بفضل حكمة جلالة الملك وحرصه على التوازن، إلى صيغة أجمع عليها الجميع، وتضمنت تعديلات جوهرية تحديثية دون مساسٍ بأي نص ديني قطعي.

إذن، فالإصلاح والتطوير ممكن دائماً في إطار ثوابت الأمة. وهذا ما يتعين الحرص عليه اليوم.

ولذلك، على نقاشنا المجتمعي، بمناسبة تحضير مشروع المدونة الجديدة، أن يَتجنَّبَ التسطيح والإشاعة، ويتفادى التشنج والتشدد، ويتحلى بالعقلانية والهدوء، وأن يعتمد مقاربة الحوار الهادئ والرصين، والابتعاد عن التخوين والاتهامات والأحكام الجاهزة.

وأعتقد أن المجتمع المغربي وقواه الحية، لهم اليوم، من النضج الكافي ما يجعلنا نقوم بهذا التمرين الديمقراطي بكلِّ أريحية وهدوء.

 

ما أهم المقترحات التي ستدافعون عنها؟

تعلمون أن حزبنا، حزب التقدم والاشتراكية، أعدَّ مذكرة في الموضوع. وهي ما يشكِّل منبعاً أساسيا لاقتراحاتنا.

ومن الأمثلة على ما ندافع عنه: إلغاء الاستثناء على 18 سنة كسنٍّ لأهلية الزواج، حيث سبق وأن تَقَدَّمَ فريقُنا بمقترح قانون في هذا الشأن، لأن الأرقام الكبيرة لتزويج الطفلات تُــــبيِّن أنَّ هذا الاستثناء أصبح واسع التطبيق بشكلٍ غير مقبول.

وأيضا، ندافعُ عن المساواة في الولاية الشرعية على الأبناء، لأجل تمكين الزوجة، في حالة وقوع الطلاق، من حق القيام بكافة الإجراءات الإدارية التي تهم أبناءها، وذلك على قدم المساواة مع الأب.

كما نترافعُ حول الإلزام بتوثيق وإثبات الزواج وتشديد القيود على تعدد الزوجات، بغاية منع التحايل بالمادة 16 المتعلقة بإثبات الزواج بالفاتحة والزواج غير الموثق. وكذا منع التحايل باستغلال ترخيص واحد لتحقيق تعدد متكرر للزوجات.

كما نقترح إرساء معايير موضوعية ودقيقة وعادلة لتقدير نفقة الأبناء. وكذا إرساء قواعد واضحة لتدبير الأموال الناشئة أثناء قيام الزواج.

كما نترافعُ من أجل إلغاء المادة 400 من المدونة الحالية للأسرة، لأنها تتيح مجالاً واسعاً للتأويل، حتى أنها صارت مدونة داخل المدونة المكتوبة.

ونترافع، أيضاً، لأجل إصلاح مؤسسة الصلح؛ وتحصين حق الأم في حضانة أبنائها؛ والانفتاح على التقدم العلمي في إثبات النسب؛ ومعالجة إشكالية عدم حضور الزوج أو الزوجة في جلسات الصلح ودعاوى الطلاق؛ وتنقية الجهاز المفاهيمي والاصطلاحي للمدونة؛ وغير ذلك.

 

يتهمكم البعض بأنكم مع المساواة المطلقة في الإرث؟

 حين نكون بصدد نقاشٍ مجتمعي ناضج ومسؤول ومؤسساتي، لا يجب اعتماد منطق الاتهامات المجانية والشعبوية، بل يتعين إعمال الإنصاتُ والعقل والحوار، كما هو الحال في مسألة الإرث التي تحظى بنقاشٍ أكثر حساسيةً.

ونحن نقول رأينا بكل وضوح ومسؤولية: يجب التقيُّد بما ورد فيه نصوص دينية قطعية لا تقبل التأويل. لكن ما المانع في إصلاح مقتضيات لم يرِد فيها أيُّ نصٍّ قطعي؟

فمثلاً، التعصيب نقترح القطع مع العمل به، لأنَّ فيه ظلما كبيرا في حق النساء، وهو مجرد اجتهاد فقهي جاء في سياق تاريخي معين. وهذا الأمر يؤكده عدد كبير من الباحثين والفقهاء والعلماء.

كما نقترحُ اعتماد الاجتهاد المتنور لتحصين الوصية من الطعن فيها، لأجل تمكين المواطن من أن يوصي لأبنائه وبناته أو غيرهم بثروته، دون أن يتم الطعن فيها بعد وفاته..

*رئيس فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب