اخبار فلسطين

مطران يدخل إلى لبنان من إسرائيل وبحوزته مبلغ 460 ألف دولار ويثير نزاعا طائفيا في بلاده

وجد مطران لبناني دخل لبنان من إسرائيل وبحوزته مبلغ 460 ألف دولار نفسه في قلب أزمة طائفية في لبنان المنكوب بالأزمات، في قضية قد تتسع لتصل آثارها إلى السياسة الرئاسية.

زاد الوضع من حدة الخلاف بين معسكرين سياسيين قويين: منظمة حزب الله اللبنانية الشيعية والكنيسة المارونية.

احتُجز رجل الدين لوقت قصير في الشهر الماضي من قبل حرس الحدود اللبناني الذي قام بمصادرة 20 حقيبة كانت مليئة بالنقود والأموال بدعوى أنه انتهك القوانين الصارمة في لبنان ضد التطبيع مع إسرائيل.

وندد البطريرك بشارة الراعي، في خطبة ألقاها في أواخر الشهر الماضي، بالإجراءات القانونية التي اتُخذت ضد الحاج ووصفها بأنها ملفقة، وقال إن الأموال كانت للأعمال الخيرية، وطالب بإسقاط جميع التهم وباستقالة القاضي العسكري الذي يرأس القضية.

تصريحات الراعي قوبلت بحفاوة بالغة وبعد أسبوع احتشد متظاهرون في مقر إقامته الصيفي للتعبير عن دعمهم للكنيسة.

وراء الخلاف عقود من العلاقات العدائية بين إسرائيل ولبنان. يُعتبر البلدان من الناحية الرسمية في حالة حرب منذ إقامة دولة إسرائيل في عام 1948، ولدى لبنان قوانين صارمة لمكافحة التطبيع. الحدود لا تزال مغلقة، لكن يُسمح لبعض المسؤولين المسيحيين الكبار بالعبور في بعض الأحيان لزيارة أبناء رعيتهم في إسرائيل والأراضي الفلسطينية والأردن.

في 20 يوليو، احتجز حرس الحدود اللبناني الحاج لثماني ساعات بعد عودته من إسرائيل وبحوزته 20 حقيبة تضمنت أدوية ونقود. الحاج قال إنه كان ينقل أموالا ومساعدات من المسيحيين اللبنانيين في شمال إسرائيل لأقاربهم في البلد الذي يعاني من أزمة مالية. قام عملاء حرس الحدود بمصادرة الأموال والأدوية وهاتف الحاج وجواز سفره.

البطريرك الماروني بشارة الراعي (screen capture: Youtube)

المسؤولون في حزب الله اعتبروا ما فعله الحاج تطبيعا مع إسرائيل واتهموه بنقل الأموال من لبنانيين كانوا مرتبطين بميليشيا حاربت في الماضي إلى جانب إسرائيل.

انتقل آلاف اللبنانيين إلى إسرائيل بعد أن أنهت سيطرتها على منطقة أمنية أعلنت عنها بشكل ذاتي في أجزاء من جنوب لبنان في عام 2000. عدد كبير من الذين فروا إلى إسرائيل كانوا على صلة بالميليشيا الرئيسية الموالية لإسرائيل في المنطقة، جيش لبنان الجنوبي، الذي انهار بعد انسحاب القوات الإسرائيلية.

قد تكون للقضية تداعيات سياسية أوسع.

يعاني البلد منذ شهور من عدم وجود حكومة تعمل بكامل طاقتها ومن المتوقع إجراء انتخابات رئاسية قبل نهاية أكتوبر.

بموجب نظام تقاسم السلطة الطائفي في لبنان، يجب أن يكون رئيس البلاد مارونيا دائما. الرئيس الحالي ميشال عون حليف لحزب الله، لكن انتقاد البطريرك الماروني المتزايد لحزب الله يشير إلى أنه لا يوجد ما يضمن أن يواصل الرئيس المقبل التحالف مع المنظمة.

تمتع حزب الله وحلفائه في السابق بأغلبية في البرلمان اللبناني، ولكن منذ الانتخابات التي أجريت في شهر مايو أصبح متعادلا مع بعض أشد خصومه، لا سيما حزب القوات اللبنانية المسيحي.

معظم أعضاء البرلمان المسيحيين والمشرعين من الطوائف الأخرى المعارضين لحزب الله أعلنوا عن دعمهم للمطران الحاج والكنيسة المارونية.

وقال الياس حنكش، وهو مشرع مسيحي من حزب الكتائب: “إننا نتفق مع كل ما قالوه، سواء كانت دعواتهم لإقالة القاضي، أو الانتقائية في كيفية التعامل مع المطران”، وأضاف “لا ينبغي (على مسؤولي) حزب الله إخراج غضبهم على مسؤول ديني لتوجيه رسالتهم إلى البطريرك”.

جندي سابق في جيش لبنان الجنوبي فر إلى إسرائيل يحمل ابنته ، وهي تحمل صليبًا وغصن زيتون، وهما ينظران إلى الحدود الإسرائيليةاللبنانية التي يحرسها جنود إسرائيليون، بالقرب من بلدة المطلة شمال إسرائيل، 15 أغسطس، 2000. (Yaron Kaminsky / AP)

يقول عماد سلامة، وهو أستاذ علوم سياسية في الجامعة الأمريكية في بيروت، إن الكثير من الأمور على المحك بالنسبة لحزب الله.

وقال سلامة: “نحن على أبواب انتخابات رئاسية وفي أعقاب ذلك سيكون علينا تشكيل حكومة جديدة، ووضع سياسة حكومية للتفاوض مع صندوق النقد الدولي. أعتقد أن حزب الله يريد توجيه كل أنواع الرسائل في الوقت الحالي، وهو مصمم على اظهار أنه لا يزال اللاعب الرئيسي بين الجميع”.

قيادة حزب الله لم تعلق، قائد المنظمة، حسن نصر الله، نفى في مقابلة أجريت معه مؤخرا أن يكون للمنظمة تأثير على وكالات الأمن والقضاء، وقال “في لبنان هناك قوانين، والأجهزة الأمنية تتخذ إجراءات تجاه أي متعاون أو متعاون محتمل”.

رئيس كتلة حزب الله في البرلمان محمد رعد كان أكثر وضوحا، وقال إن قيام المطران بنقل الأموال والأدوية يعتبر تطبيعا، وهو ما وصفه بـ”خيانة وطنية وجريمة”.

وقال شخص مقرب للحاج لوكالة “أسوشيتد برس” إن السلطات عرضت على الراعي إعادة جواز سفر المطران وهاتفة المصادرين، مع الاحتفاظ بحقائب النقود والأدوية. وأفادت تقارير أن الراعي رفض العرض، وأن المطران لن يحضر أي جلسة استماع.

في غضون ذلك، يتفاقم الفقر لدى ملايين اللبنانيين، أي حوالي ثلاثة أرباع السكان. ويضرب انقطاع التيار الكهربائي وخطوط الخبز والتضخم العائلات عبر فسيفساء البلاد المكونة من 18 طائفة دينية في أعقاب عقود من سوء الإدارة الاقتصادية والفساد الشائنين من قبل الأحزاب الحاكمة في لبنان.

يقول مهند الحاج علي، وهو باحث زميل في مركز كارنيغي للشرق الأوسط، إن الناس يطالبون بالمحاسبة والإصلاح، لذا فإن التوتر السياسي المثير للانقسام قد يكون وسيلة جيدة للتمويه.

وقال الحاج علي إن “الطبقة السياسية تلجأ إلى الأسلوب القديم للاستقطاب الطائفي. لقد كان ذلك فعالا، وأعتقد أنه سيبقي فعالا”.