اخر الاخبار

حصاد الحسابات الخاطئة وغرور القوة ! – عين الوطن


حصاد الحسابات الخاطئة وغرور القوة !

د. عبدالمجيد الجلاَّل

الحسابات الخاطئة ، وغرور القوة ، وسوء التخطيط والتنفيذ ، وانتهاك القانون الدولي ، عنوانٌ رئيس ، للحروب الأمريكية في أكثر من منطقة في العالم ، خاصة، الغزو غير المبرر ، لكلٍ من أفغانستان والعراق .
لنعود إلى الوراء قليلاً ، فإثر أحداث سبتمبر 2001 ، التي استهدفت الأراضي والمصالح الأمريكية ، بضرب طائرات مُختطفة من قبل تنظيم القاعدة ، لمبنى وزارة الدفاع ” البنتاغون ” ومركزي التجارة العالمي ، ومقتل نحو 3000 أمريكي ، قرر الرئيس السابق جورج بوش الأبن ، بدعمٍ من المحافظين الجدد ، غزو أفغانستان، للانتقام من تنظيم القاعدة ، والقضاء عليه تماماً ، دون إدراكٍ فعلي ، لمخاطر ذلك، على الأمن القومي الأمريكي والعالمي، وعلى تكلفته البشرية الهائلة !
وبعد نحو عشرين عاماً ، من غزو أفغانستان ، ومقتل مئات الألوف من الضحايا المدنيين الأبرياء ، والعسكريين الأفغان ، وتدمير بُنية أفغانستان ، انسحبت أمريكا، على عجلٍ ، وبشكلٍ فوضوي ، ومرتبك ، تلاحقها قوات طالبان ، ونجحت الأخيرة بالسيطرة على كل أفغانستان ، وحولت غرور القوة الأمريكي ، إلى هزيمة مُذلة ، سوف تلاحق الأمريكيين لعقودٍ من الزمن ، حتى الجيش الأمريكي في أفغانستان ، خسر آلاف القتلى والجرحى ، بما فيهم متعاقدون ، ومرتزقة بلاك ووتر، إضافة إلى خسائر مالية تُقدر بمليارات الدولارات !
ومرة أخرى ، تقود الحسابات الأمريكية الخاطئة ، وغرور القوة ، إلى غزو العراق ، بعد عامين فقط من غزو أفغانستان ، وتحديداً في عام 2003 ، في انتهاكٍ سافر للقانون الدولي ، ولأسبابٍ ومبررات واهية ، بامتلاك نظام صدام حسين أسلحة دمار شامل ، وعلاقته بتنظيم القاعدة ، واحتمال تزويد هذا التنظيم بأسلحة الدمار الشامل الكيميائي والبيولوجي العراقية ، بل ، وحتى تحميل العراق مسؤولية اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر !
ولكن ، تبين ، فيما بعد ، عدم صدقية هذه المبررات ، وتورط الأمريكيون في حرب شوارع ، ومدن ، خسروا فيها الكثير من هيبتهم ، مثل ما خسروا الكثير من الجنود والعتاد ، بفعل بأس المقاومة العراقية ، ما دعا الرئيس السابق أوباما إلى إعلان قرارٍ ، بانسحابٍ أمريكي ، غير مكتمل ، من العراق ، بعد نحو ثمانية سنواتٍ ، ولكن من المؤسف ، أنَّ ذلك ، قد تمَّ ، بعد خراب مالطة ، إذ تمَّ تمزيق نسيج العراق الطائفي، ومقتل مئات الألوف من العراقيين ، وإشعال الفتن والمناكفات ، بين مكوناته ، خاصة بين السنة والشيعة ، والأدهى ، تسليم العراق ، على طبق من ذهب ، إلى النفوذ والهيمنة الإيرانية !
ولكن الخسارة الاستراتيجية الكبرى ، كانت ، في زعزعة توازن قوى النظام الأمني الخليجي والعربي ، لمصلحة إيران ، وصعودها القوي ، وتوسع مشروعها الطائفي في المنطقة ، وتسريع برنامجها النووي ، والصاروخي ، وتحويل أفغانستان والعراق إلى دولتين ، تنهشهما الفوضى والاقتتال الداخلي ، والانقسام الطائفي غير المسبوق !
خلاصة القول تسيدت الولايات المتحدة النظام العالمي ، بأحادية قطبية مطلقة منذ عام 1992 ، واليوم ، وبعد عشرين عاماً ، من الغزو الأمريكي لأفغانستان ، ونحو ثمانية عشر عاماً ، من غزو العراق ، بدأ نجمها في الأفول ، ليستقبل العالم التعددية القطبية ، في سياق الصراعات الدائرة اليوم ، بين القوى الكبرى للهيمنة والسيطرة وتوسيع دائرة نفوذها ، على حساب الأمن والسلام والاستقرار العالمي !