تكنولوجيا

احتكار محركات البحث | جوجل ضد مايكروسوفت وخيانة مرتقبة من أبل!

يوم جديد وقضية جديدة تواجهها جوجل بدعوى الاحتكار. لا جديد يذكر، الشركة الأمريكية متهمة باحتكار سوق محركات البحث. قضية تكررت أكثر من مرة خلال العقد الماضي دفعت فيها جوجل أكثر من 2 مليار دولار كتعويضات وغيرت سياستها في بعض الدول.

ولكن وبرغم تكرار الأمر هذه المرة القضية مختلفة، القضية في الولايات المتحدة، منافسيها ومديريهم شهود في القضية وقاتلها المستقبلي قد يظهر للنور بعد انتهائها برغم أنها تدفع له أكثر من 10 مليار دولار سنوياً!

الصعود

بدأت جوجل مشوارها في مجال محركات البحث منذ انطلاقها في عام 1997. محركها للبحث لم يكن الأول بالتأكيد فمحركات مثل AltaVista و Yahoo Search سبقوها في هذا المجال قبل أن ينطلق معها كل من MSN Search و Alltheweb في سباق لم يتبقى فيه سوى جوجل ومايكروسوفت التي استحوذت على أغلب المنافسين بعد رحلة من عمليات الدمج استمرت حتى 2012.

هذا الصعود الذي كان خلفه خوارزمية مختلفة في البحث جعلت من منتج جوجل ذو أفضلية مقارنة بالمنافسين. أغلب محركات البحث كانت تعتمد على عدد مرات ظهور “كلمة البحث” في صفحات مواقع الإنترنت، فإذا كنت تبحث مثلاً عن كلمة “كرة القدم” فستكون نتائج البحث مرتبة بحيث يكون أكثر موقع يحتوي على هذه الكلمة ضمن صفحاته في أولى النتائج.

جوجل وبخلاف هذه الطريقة كانت تعتمد على عدد المرات التي تم فيها الإشارة لصفحات الموقع في المواقع الأخرى فيما يعرف بالـ Back Linking. نظام جوجل كان يعطي تقييم للمواقع وبناء على هذا التقييم وعدة عوامل أخرى كانت يتم ترتيب المواقع في نتائج البحث.

عززت جوجل كذلك رحلة صعودها بأكثر من عامل ساهموا فيما وصلت إليه اليوم، ولعل أبرز تلك العوامل كان متصفحها Google Chrome. المتصفح الذي كان يعد الأسرع والأكثر كفاءة منذ إطلاقه جذب مئات الملايين من المستخدمين الذين وجدوا محرك جوجل كمحرك البحث الافتراضي، ومع السمعة الكبيرة الذي يمتلكها هذا المحرك لم يكن أحد ليفكر في تغييره إلى أي منافس آخر.

احتكار محركات البحث

بدأت رحلة جوجل في احتكار محركات البحث مبكراً. لم يكن الوضع كما هو عليه الآن بل كان أشبه بصفقات رسمية تجريها الشركة وليس ألاعيب تدار بشكل مشبوه. أول اتفاق يذكر كان اتفاقها مع شركة Mozilla المطورة لمتصفح Firefox، الصفقة تمت لأول مرة في عام 2006 وهو الوقت الذي كان Firefox يبتلع فيه سوق المتصفحات بلا أي منافس.

الاتفاق بين الشركتين استمر منذ ذلك الوقت وحتى يومنا هذا ما عدا الفترة بين 2014 و 2017. المضحك عزيزي القارئ أن عوائد شركة Mozilla خلال هذه الفترة التي قاربت على 20 عاماً تتكون بشكل رئيسي من الأموال التي تجنيها من اتفاقها مع جوجل.

نفس الاتفاق تكرر مع منافسين آخرين مثل متصفح Safari لأجهزة الويندوز قبل أن يتم إيقافه وبالتأكيد Safari لأجهزة الماك.

النقلة الكبرى التي حولت جوجل لشركة احتكارية هي إطلاق نظام الأندرويد. الشركة الأمريكية وفرت النظام مجاناً لمصنعي الهواتف الذكية في مقابل أن تكون خدمات جوجل مثبتة مسبقاً على هواتفهم. الخدمة الأهم من ضمن كل تلك الخدمات هي بالتأكيد Google Search الذي يجب أن يكون محرك البحث الافتراضي لمتصفح النظام أو متصفح الشركة المصنعة وأن يكون شريط البحث على الصفحة الرئيسية للهاتف عند تشغيله لأول مرة.

جوجل لم تنسى أبل وأنظمتها، على عكس الشائع في أغلب دول العالم فإن مستخدمي أجهزة أبل يمثلون الأغلبية في الولايات المتحدة الأمريكية وخاصة فيما يخص الهواتف الذكية التي يهيمن عليها الـ iPhone.

جوجل لم تغفل عن هذا الأمر خاصة وأن السوق الأمريكي هو أكبر سوق في العالم (بعيداً عن السوق الصيني وظروفه الخاصة) وأكثر الأسواق التي تجني منها الشركات أرباحاً. لا يمكن لجوجل أن تترك أكثر من ملياري مستخدم حول العالم جزء كبير منهم في الولايات المتحدة لمنافس آخر.

الحل وكما فعلت مع الجميع هو الدفع. جوجل تدفع حالياً ما يتراوح بين 10 مليار إلى 20 مليار دولار إلى أبل. الفارق بين الرقمين ضخم ولكن الرقم الحقيقي مجهول. الشركتان تنفيان هذه الصفقة بشكل كامل ولا تفصح أي منهما عن القيمة الحقيقية في أي مستندات رسمية.

قضايا الاتحاد الأوروبي

واجهت جوجل خلال آخر أعوام العقد الماضي أكثر من قضية احتكار في الاتحاد الأوروبي كانت قضية احتكار نظام الأندرويد ومحركات البحث هي الأبرز.انتهت هذه القضية بتسوية قيمتها تخطط 2 مليار دولار واضطرت الشركة لتوفير محركات بحث أخرى مثبتة مسبقاً على نظام الأندرويد مع إعطاء القدرة للمستخدمين على اختيار ما يناسبهم.

القضية الحالية جوجل وأبل ومايكروسوفت

برغم التأخر في رفع مثل تلك الدعاوى ضد جوجل إلا أن الشركة تواجه أخيراً دعوى مماثلة في الولايات المتحدة الأمريكية. جوجل متهمة رسمياً باحتكار سوق محركات البحث ولكن أبل ومايكروسوفت ومديريهم من الشهود في هذه القضية.

المحكمة الأمريكية طلبت من مايكروسوفت إرسال أحد الممثلين للإدلاء بشهادته في القضية. مايكروسوفت تعد أكبر المتضررين فالشركة من جهة عاجزة عن طرح محركها للحبث Bing خارج الويندوز و Microsoft Edge ومن جهة أخرى اضطرت للانصياع لتعليمات جوجل عند إطلاق هاتفها القابل للطي Surface Duo.

بحسب مستندات القضية فإن مايكروسوفت منعت من إطلاق Surface Duo مع توفير محركها للبحث كمحرك البحث الافتراضي. الأمر وصل لنقاش مباشر بين ساتيا ناديلا وسوندار بيشاي المديرين التنفيذيين للشركتين ولكن ولأن سياسة الأندرويد تفرض استخدام محرك جوجل كمحرك البحث الاتفراضي اضطرت مايكروسوفت للرضوخ في النهاية.

المدير التنفيذي للشركة ساتيا ناديلا قال في المحاكمة أن شركته حاولت في أكثر من مناسبة أن تبرم اتفاق مع أبل ليكون Bing محرك البحث الافتراضي حتى وإن تطلب الأمر إزالة العلامة التجارية وإعادة ضبط شروط الخصوصية. كل تلك المحاولات وبحسبه ما كشف ناديلا فشلت لسبب رئيسي وهو خوف أبل من جوجل.

أبل خائفة من تغيير محرك البحث الافتراضي خشية أن تقوم جوجل باستغلال تطبيقاتها مثل يوتويب، الخرائط، Gmail وباقي تطبيقاتها في التروج المستمر لجوجل Chrome ومن ثم القضاء على متصفح سفاري.

أبل من جهة أخرى طُلبت شهادتها من أجل شأن آخر.

 لماذا محرك جوجل هو محرك البحث الافتراضي على الـ iPhone وأجهزة الـ mac والآيباد وكل جهاز عليه شعارها؟

لماذا لا تطور أبل محركها الخاص للبحث ؟

إجابة Eddy Cue نائب رئيس الشركة للخدمات كانت ببساطة أن الشركة اختارت محرك جوجل لأنه أفضل خيار يمكن تقديمه للمستخدمين وأن شركته لا تحتاج لتطوير محركها الخاص للبحث فجوجل تقدم منتج ممتاز!

لم يذكر بالتأكيد السيد إيدي كيو عن الصفقة المبرمة بين الشركتين واكتفى بذكر أن ثمة اتفاق حول متصفح سفاري فقط فيما تشير التقارير حول أن هذا الرد كان معد له مسبقاً بعد اتفاق مع جوجل.

لماذا لا تطور أبل محركها للبحث؟

هذا السؤال لم يطرأ فقط على ذهن القاضي في محاكمة جوجل بل فكر فيه الجميع وعززه تقرير مارك جرمان على بلومبيرج الذي كشف أن أبل تمتلك كل شيء لإطلاق محركها الخاص للبحث.

التقرير الذي نشر خلال الساعات الماضية يشير لأن أبل تطور ناظاماً خاص بها للبحث. هذا النظام يتم حالياً استخدامه في أغلب تطبيقاتها مثل الخرائط، متجر التطبيقات، الأخبار إلخ… كما يتوافر في البحث الداخلي لـ iOS المعروف بـ Spotlight.

هذا النظام والمعروف داخلياً باسم “Pegasus” يتم تطويره عبر فريق خاص في الشركة يديره مباشرة جون جيانديرا وهو أحد المديرين السابقين في جوجل ومدير قطاع تعلم الآلة والذكاء الاصطناعي في أبل. 

تمتلك أبل كذلك برنامج زحف للويب أو web crawler باسم Applebot. يقوم هذا الزاحف وكالنماذج المماثلة من جوجل ومايكروسوفت بمسح الإنترنت لفهرسة المواقع ومن ثم استخدام هذا الكم الهائل من المعلومات في تطوير نتائج بحث أفضل.

وبخلاف الأدوات السابقة فإن أبل تمتلك بالفعل فريق للإعلانات يدير الإعلانات في متجر التطبيقات وخدمة الأخبار والأسهم.

كل هذه الأشياء تسمح لأبل لإطلاق محركها للبحث الخاص بها بعيداً عن جوجل. تقرير مارك يقول أن الشركة الأمريكية تستغل كل هذا من أجل تحسين عقودها مع جوجل في كل مرة يتم الاتفاق مستغلة ما تملك كآداة تفاوض.فهل يأتي اليوم الذي تخرج أبل بمحركها للبحث وتقضي على جوجل؟ 

على كل حال إجابة هذا السؤال قد تظهر للنور مع اقتراب موعد تجديد الاتفاق بين جوجل وأبل ولكن الأهم الآن، ماذا ستفعل جوجل في هذه القضية؟ هل ستواجه مصير مشابه للاتحاد الأوروبي؟ هل تغرم على كسر اتفاقها مع أبل أم تفاجئها الأخيرة وتقلب الطاولة؟

 

?xml>