اخبار فلسطين

بعد ثلاثة عقود… كيف وصلنا إلى أوسلو وماذا غيرت فينا؟

فلسطين المحتلة خاص قُدس الإخبارية: ثلاثة عقود مرت على توقيع اتفاقية “أوسلو”، بين قيادة منظمة التحرير الفلسطينية ودولة الاحتلال الإسرائيلي، برعاية الإدارة الأمريكية، إيذاناً بدخول القضية الفلسطينية فصلاً جديداً تعددت مراحله والفاعلين فيه، وما زالت الأسئلة الفلسطينية تتعدد حوله: ما الذي وصل بحركة التحرر الوطني الفلسطيني إلى اتفاقية تسوية مع الاحتلال؟ هل كان يمكن تجاوز هذه المرحلة بصورة أخرى؟ ماذا بقي من اتفاق أوسلو؟ وهل الفرص متاحة للشعب الفلسطيني للانفكاك عن الصيغ السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي توالدت بعد الاتفاق؟.

رابين… “أوسلو” منصة استراتيجية لأمن “إسرائيل”

في سنوات ما بعد اتفاقيات التسوية التي وصلت لها دولة الاحتلال مع قيادة منظمة التحرير، وعدة دول عربية، اختارت نخب فلسطينية وعربية انزال “أسطورية رجل السلام” على إسحاق رابين، رئيس حكومة الاحتلال حينها، الذي اغتاله أحد أعضاء “التيار الصهيوني الديني”، في عام 1995، بعد مشوار طويل في الحياة السياسية والعسكرية الإسرائيلية.

الدكتور حاييم آسا خبير الشؤون الاستراتيجية والعسكرية والذي شغل أيضاً مستشاراً لرابين، خلال فترة اتفاقيات التسوية، يخالف بشكل قطعي النظرة التي حاول أصدقاء وأعداء رابين إنزالها به كــ”رجل سلام”، وقال في لقاء مع صحيفة “معاريف” العبرية، قبل سنوات، إن رئيس حكومة الاحتلال حينها الذي شغل منصب رئيس الأركان سابقاً كان يريد تحقيق “مصالح استراتيجية” من اتفاقية أوسلو، تضمن “بقاء إسرائيل في الوجود لفترة أطول” من خلال “تحييد” الشعب الفلسطيني ثم المحيط العربي عن الصراع، من أجل إبعاد تهديد دائرة “العراق إيران”.

قبل أيام، نشرت صحيفة “هآرتس” العبرية محضر الاجتماع الذي عقدته حكومة الاحتلال بقيادة رابين، قبل أيام من توقيع اتفاقية “أوسلو”. يكشف المحضر أن رابين اعتبر الاتفاق “ليس سهلاً ويحتوي على ألفاظ غير ودية”، حسب تعبيره، لكنه اختار أن ينظر بــ”شمولية” إلى جميع المصالح المتحققة منه. ورأى شمعون بيريز أن الاتفاق “يسمح لمنظمة التحرير بالقضاء على المقاومة المسلحة وتحجيم دور حركات المقاومة الإسلامية الصاعدة حينها وبينها حماس”.

وأكد بيريز، خلال الاجتماع، على “رفض إخلاء المستوطنات سواء في الضفة أو غزة”، بينما حذر إيهود باراك الذي كان يشغل حينها منصب رئيس أركان جيش الاحتلال من “إشكاليات أمنية في الاتفاق”، لكن السياق العام في التعامل الإسرائيلي الرسمي مع الاتفاق، هو تبني وجهة نظر أحزاب اليمين حول أن الهدف النهائي هو “نهاية الصراع”، أي وضع حد لــ”المطالب الفلسطينية”، وهو ما عبَر عنه الوزير السابق في حكومة الاحتلال، يوسي بيلين، أحد الشخصيات الرئيسية في مفاوضات “أوسلو”، بمفهوم “الخطوات المؤقتة”، الذي أوجده رئيس وزراء الاحتلال السابق، مناحيم بيغن، خلال مفاوضاته مع مصر في 1978، لذلك لم يصل الاتفاق إلى مراحل نهائية تحقق هدف منظمة التحرير الفلسطينية وهو “قيام دولة فلسطينية على حدود 1967”.

ويعتقد الدكتور محمد خلايلة الباحث في الشؤون الإسرائيلية، أن تلك المرحلة شهدت صراعاً بين معسكرين في دولة الاحتلال، معسكر “اليمين” الذي أراد تحقيق مشروع “إسرائيل الكبرى” وإغلاق الملف التاريخي للصراع على القضية الفلسطينية، وإنهاء فكرة “الأرض مقابل السلام”، وفي مقابله معسكر رابين الذي أطلق على معسكره اسم “السلام”، خلال انتخابات الكنيست عام 1992.

وعن أهداف رابين من الاتفاقية، أوضح خلايلة لــ“شبكة قدس”: نقطة الانطلاق لمشروع رابين هي الحصول على شرعية دولية لــ”إسرائيل”، من خلال فكرة “التنازل للفلسطينيين” عن أراض، ومنح الفلسطينيين دولة منقوصة منزوعة السلاح ومسيطر على مساحة من أراضيها والاستمرار في الارتباط الاقتصادي والسيطرة الأمنية، والهدف الثالث يتعلق بالحفاظ على “يهودية الدولة” والهيمنة الاقتصادية الإسرائيلية من خلال منطق “الفصل” وليس حل الصراع بموجب منطلقات قيمية.

وأضاف: أرى أن الاتفاق كان بمنزلة بين المنزلتين، أي بين الأمني والسياسي، ويشتمل على مزيج بين المحورين أكثر من أن يكون فصلاً بين المسارين.

يقول الكاتب والباحث ساري عرابي، في لقاء مع “شبكة قدس”، إن رابين أراد من اتفاقية أوسلو الهروب من “مأزق” خلقته الانتفاضة الفلسطينية الأولى، إذ كان الخيار “انسحاباً فوضوياً” منها بعد تصاعد العمليات، وهو ما يهدد المصالح الاستراتيجية لدولة الاحتلال، أو ضم الضفة الغربية المحتلة تحت صيغة “فصل عنصري متوحش”.

وأكد أن رابين حقق من خلال الاتفاقية إنقاذ دولة الاحتلال من هذين الخيارين، واستمرت في الاحتفاظ بالضفة المحتلة، وممارسة “سياسة الفصل العنصري” دون تحمل مسؤوليات أخلاقية أو اقتصادية أو دولية عن السكان الخاضعين للاحتلال، وأشار إلى الفوائد الاقتصادية أيضاً التي حققتها الاتفاقية لــ”إسرائيل” من خلال زيادة المساعدات الاقتصادية الأمريكية، ومضاعفة دخل العائلات الإسرائيلية بنسبة 130%، وخفض من معدلات الإنفاق العسكري.

وحقق الاحتلال من خلال الاتفاقية، يقول عرابي، اختراق الدول العربية وفي الدائرة الأوسع “الهند، الصين، اليونان” وغيرها، التي دخلت في الموجة الأولى من التطبيع، بعد تاريخ طويل من مناصرة الشعب الفلسطيني، تحت شعار أن “الفلسطينيين حصلوا على الحكم الذاتي”، ورغم أن العالم حصلت فيه تطورات حينها إلا أن أوسلو مثلت جسراً مهما في التطبيع، يؤكد عرابي، وتابع: الأنظمة العربية تريد التطبيع والتخلي عن القضية الفلسطينية لكن أوسلو وفرت لهم ذريعة من خلال القول إن “الفلسطينيين أصحاب القضية اتجهوا للتطبيع… ونقبل بما يقبل به الفلسطينيون”، وغيرها من الذرائع.

الاستيطان ثابت صهيوني 
تنص اتفاقية أوسلو على تأجيل النقاش في القضايا الكبرى “الاستيطان، الأمن، القدس، الحدود، اللاجئين” وغيرها، إلى المرحلة النهائية، أي خلال 5 سنوات، وفي الواقع فقد انقضت هذه السنوات دون التوصل لاتفاق، وفرضت دولة الاحتلال واقعاً استيطانياً أمنياً استراتيجياً في الضفة والقدس المحتلتين، خاصة خلال السنوات الأخيرة، يجعل من فكرة إقامة “دولة فلسطينية” على الأراضي المحتلة عام 1967، أمراً غير قابل للتحقيق، بعد تضخيم التجمعات الاستيطانية والسيطرة على مساحة واسعة من المناطق الاستراتيجية فيها، التي تحقق فكرة تقسيم الضفة إلى مربعات معزولة، وتمنح الاحتلال فرصة السيطرة على القدس وأسرلتها.
وفقاً لإحصائيات منظمات إسرائيلية فإن عدد المستوطنين، في زمن الإعلان عن اتفاقية أوسلو، كان لا يتجاوز 150 ألف مستوطن، بينما يزيد أعداد المستوطنين الآن عن 800 ألف في الضفة والقدس المحتلتين، ويسيطر البناء العمراني للمستوطنات على أكثر من 12% من مساحة الضفة، عدا عن المناطق التي صنفت وفق الاتفاقيات لــ”ج”، وهي المناطق التي تخضع لسيطرة الاحتلال أمنياً وسكانياً، وتشكل مساحة 60%، ويسعى الاحتلال في السنوات الأخيرة لضمها والسيطرة عليها بشكل نهائي.
وعن هذا المسار، يوضح الباحث محمد خلايلة أن في المشروع الاستيطاني تباينات بين قادة دولة الاحتلال، لذلك اختلفت طبيعته بين مرحلة رابين أو شارون أو نتنياهو أو المرحلة الحالية التي حقق فيها المستوطنون اختراقاً واسعاً في المؤسسات السياسية والاجتماعية والأكاديمية الإسرائيلية، وأضاف: في مرحلة أوسلو عملت “إسرائيل” على بقاء الاستيطان، خاصة في المناطق الاستراتيجية، التي يرون أنها تحافظ على أمنهم، لكن مشروع رابين مختلف عن سلوك شارون أو أولمرت لاحقاً، وفي مرحلة نتنياهو جرى تبني مشروع الاستيطان كاملاً من خلال منح المستوطنين صلاحيات واسعة، وميزانيات ضخمة، وإجراء تغييرات على الأرض من خلال بنية تحتية كبيرة تمنع قيام دولة فلسطينية نهائياً، وهو مشروع اليمين الصهيوني اليوم.

“الدولانية”… هل شكلت جسر القبول بالتسوية؟
في سنوات الثورة الفلسطينية المعاصرة التي انطلقت رداً على التهديد الوجودي الذي تعرض له الشعب الفلسطيني، بعد تدمير وجوده المادي والإنساني في الأرض المحتلة عام 1948، ثم احتلال ما تبقى من فلسطين عقب هزيمة 1967، تطورت مفاهيم “دولانية” في الخطاب السياسي الفلسطيني وضعت مفهوم إقامة “دولة” على أي أرض يجري تحريرها، هدفاً مركزياً في السلوك العسكري والسياسي لمختلف القوى الفلسطينية.
في كتابه “الكفاح المسلح والبحث عن الدولة: الحركة الوطنية الفلسطينية، 19491993″، الصادر عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية، يرى الدكتور يزيد صايغ أن إقامة مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، في الخارج، والسلوك العسكري المعبَر عنه بمصطلح “الكفاح المسلح” كانت فكرة “بناء الدولة”، تحتل سياقاً مركزياً فيه.

مصادر تاريخية ترى أن “الدولانية” كانت أحد الدوافع لقيادة منظمة التحرير الفلسطينية، نحو القبول بمشروع مفاوضات والتوصل لاتفاق سياسي مع دولة الاحتلال، ويروي القيادي في حركة فتح غازي الحسيني أن الرئيس الراحل ياسر عرفات قال له في زيارة شاركوه فيها لدولة آسيوية “أريد موطئ قدم في فلسطين”، وهو ما يبرر به أنصار الاتفاق وحركة فتح والسلطة، إقدامها على اتفاقية أوسلو، أي إقامة كيان فلسطيني مستقل في الأرض المحتلة، قد يكون قاعدة انطلاق إلى باقي الأرض، وهي الفكرة التي ذوت مع سنوات لاحقة خاصة بعد انتفاضة الأقصى، التي سيطر فيها خطاب سياسي مختلف نوعاً ما، ودخلت السلطة في مأزق “شرعي” بعد أن فقدت مبررات وجودها بعد قضاء الاحتلال على مشروع التسوية، بالإضافة للأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المركبة التي كابدها الشعب الفلسطيني، خلال سنوات.
ويؤكد الباحث ساري عرابي أن “الفكر الدولاني” متجذر لدى الحركة الوطنية الفلسطينية، وأن طموح التحول إلى “دولة” بقي حاضراً بقوة لدى قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، خاصة مع حركة فتح التي قامت على فكرة “الوطنية الفلسطينية” خلافاَ لتنظيمات أخرى اعتنقت الفكر القومي أو العروبي أو الإسلامي الشامل.
وتابع: قوى فلسطينية تأسست بعد النكبة لاحظت معاناة اللاجئين الفلسطينيين، قبل انطلاق المقاومة التي تصادمت مع بعض الأنظمة العربية التي كانت لا تريد أراضيها ساحة انطلاق للعمل المسلح ضد الاحتلال، واقتنعت بوجوب تحقيق “كيان فلسطيني” يحرر الفلسطينيين من هذه الأعباء.
وعن الظروف المرحلية التي دفعت المنظمة إلى اتفاق التسوية، يقول عرابي: رأت قيادة منظمة التحرير أن موازين القوى في المنطقة التي كانت تحافظ على مكانتها اختلت تماماً، خاصة مع خروج النظام المصري من الصراع، بعد حرب أكتوبر 1973، وهذا ما عبَر عنه برنامج “النقاط العشر” الذي قبلت من خلاله بإقامة دولة فلسطينية على أي منطقة تتحرر من الاحتلال، وهو تعبير عن اقتناع قيادة فتح أن خروج مصر من المواجهة سيضر بمكانة المنظمة في لبنان، لأن وجودها هناك كان قائماً على الاتفاقية التي رعاها جمال عبد الناصر، عام 1967، وهذا ضمن وعي متكامل أن النظام الإقليمي العربي متعاون مع الحركة الصهيونية، ويتاجر بالقضية الفلسطينية، وأن الفلسطينيين ضحايا لهذه الأنظمة، وربما خلق هذا عدم توفر الأمل الكافي لتحرير فلسطين.
ويعتقد عرابي أن “القشة التي قصمت ظهر البعير” هي “ضعف الاتحاد السوفياتي”، وأوضح: إعلان الاستقلال عام 1988 فيه اعترافاً بـ”إسرائيل” من خلال الاعتراف بقرارات الشرعية الدولية، وليس للحقوق والثوابت الوطنية، وهذا في أوج انتفاضة الحجارة وهذا يؤكد أن قيادة منظمة التحرير فكرت في استثمار الانتفاضة، في وقت مبكر، في البحث عن دولة قبل مؤتمر مدريد وقبل حرب الخليج وسقوط الاتحاد السوفياتي، وبالتالي تبحث عن فرصة منذ 1974 عن “تسوية” معقولة من وجهة نظرها.
وأشار إلى أن الخروج من لبنان إلى ساحات أبعد عن ساحة الصراع الأساسية، ووقف الدعم الخليجي لها بعد غزو الكويت، وسقوط الاتحاد السوفياتي والاختلال الذي حصل في العالم على “موازين القوى”، وإرادة استثمار الانتفاضة في مشروع سياسي يمنع زعزعة مكانة منظمة التحرير داخل الأرض المحتلة، أدى إلى اتفاق “مختل” لا يتفق مع طرح قيادة منظمة التحرير التاريخي حول اتفاق تسوية “مقبول”.

قوى المقاومة… أي دور في إفشال مسار التسوية؟
اتفاقية أوسلو دفعت القوى الرافضة لمشروع التسوية للاجتماع والاتفاق على بيان سياسي رافض، ورغم التباينات الفكرية والأيدلوجية نجحت هذه القوى في الاتفاق مع بعضها على خطوط أساسية في رفض عملية التسوية، وتباينت ردات فعلها وفقاً لقوتها الشعبية، وتصدرت القوى الإسلامية “حماس والجهاد الإسلامي” العمل العسكري، في الأرض المحتلة، في الفترة ما بعد الاتفاق، وهو ما اعتبرته قوى سياسية وأبحاث تاريخية سبباً رئيسياً في إفشال الاتفاق، خاصة بعد موجة العمليات الاستشهادية التي ضربت المدن المحتلة في الداخل.
ويرى الباحث ساري عرابي أن الرأي القائل أن “مقاومة حماس والجهاد كانت هي السبب في إفشال اتفاقية أوسلو مبالغة”، وتابع: من حق التنظيمات العمل ضد اتفاق أوسلو، لأنه مثَل خروجاً على الإجماع الوطني الذي تحقق في الانتفاضة الأولى، ولم يعرض حتى على استفتاء شعبي أو وطني، والمقاومة التي مارستها حماس والجهاد في أحد معانيها هي أن الانتفاضة مستمرة، وهذا من حق أي أحد أن يستمر في النضال الجماعي الذي مارسه الشعب الفلسطيني في الانتفاضة، والذي خالف الإجماع ليس المقاومة بل من وقع اتفاقية أوسلو.
وتابع: مسار التسوية محكوم عليه بالفشل من ناحية تمسك “إسرائيل” بالضفة المحتلة، لأسباب استراتيجية تتعلق بموقع هذه المناطق من العمق الإسرائيلي، وقضايا أخرى تتعلق بالبعد الدعائي الصهيوني والأيديولوجي، والاستثمار الاقتصادي في المناطق المحتلة، وفي النهاية ماذا يدفع الاحتلال للتخلي عن ما يسميها “يهودا والسامرة” وجبال القدس مقابل “حسن نوايا” فقط، لا سيما أن إدارة المفاوضات كانت بالشكل الذي رأيناه، الاحتلال لا يتخلى عن مكاسب استراتيجية وهو الذي يعيش قلقاً وجودياً، إلا بالقوة العسكرية.
واعتبر أن “الإقرار التعاقدي/ التفاوضي” القائم على فلسفة “الانتصار الأبدي للعدو” لا بد أن يثمر عن مصلحة له، وقال: اتفاقيات التسوية مشكلتها أنها تستند للأبدية الإسرائيلية والانتصار في الحرب التي خاضها الاحتلال، التفاوض على قاعدة انتصار عدوك هو هزيمة ساحقة، لذلك “أوسلو” تأسس على هزيمة، وعدة مفكرين فلسطينيين مثل منير شفيق وغسان كنفاني ويوسف صايغ كتبوا منذ السبعينات، أن الدولة إذا قامت فهي “تعاقدية” ولا بد أن تتحول لجسر للاحتلال للعالم العربي، وتعتمد على وجود الاحتلال، مشروع التسوية فاشلة فلسطينياً وناجح إسرائيلياً.

الأسير المحرر والكاتب، محمد جرادات، يروي من خلال التجربة التاريخية: كنا في سجون الاحتلال عند توقيع الاتفاقية وعايننا تداعياتها، في البداية تأمل الأسرى أن يفرج عن جميعهم، لكن الاحتلال رفض الإفراج عن ما أطلق عليهم “الملطخة أيديهم بالدم”، وهنا يكمن المأزق في هذه الكارثة، وهي تجزئة الفلسطيني وليس فقط بالمعيار السياسي، بل في المعيار الفدائي إذ أصبح الأسير ينظر إلى ما يقوله الإسرائيلي عن قضيته، وعشنا من أحلك الفترات.
وعن دور المقاومة وموقفها، تابع: قوى المقاومة أعلنت رفض الاتفاقية وسعت إلى استمرار المواجهة مع الاحتلال وتطوير وسائلها من خلال مجموعة من العمليات، التي تدخلت الإدارة الأمريكية وبذلت السلطة جهوداً كبيرة لوقفها، لكن في النتيجة استطاعت أوسلو بسط ذراعها بعد اتفاقية أريحا غزة ثم إعادة انتشار قوات الاحتلال خارج المدن، ونقل الأسرى للداخل، ومن خلال المعاينة فإن الاحتلال خطط لما سيحصل تحت الأرض وفي الجو، ووضع مخططاً لكل سم على الأرض، لكن الفلسطيني المفاوض كان عاجزاً عن أن يحصل على شيء سوى البقاء على قيد الحياة مؤقتا، وإقامة سلطة تدير حياة الناس دون أفق سياسي، وبعد عقود لم يحصل شيء على تحقيق الثوابت الوطنية.
يصف جرادات في لقاء مع “شبكة قدس” تلك المرحلة في تاريخ المقاومة بأنها “غربة”، وأوضح: بعد مؤتمر “مدريد” اكتسب المسار زخماً في الشارع من خلال الحملات الإعلامية الواسعة والدعم الإقليمي لكن قوى المقاومة نجحت في تثبيت نفسها والقيام بدورها وبعد سنوات تبيَن أن موقف المقاومة كان هو الأقرب للحفاظ على ثوابت الوطن والشعب والسلطة أصبحت في عزلة تتزايد واكتسبت المقاومة مداً شعبياً في فلسطين والمنطقة وحاول الغرب والشرق احتواء المقاومة ولكنه فشل في ذلك والدليل التطورات في الضفة وغزة والارتباط مع محور المقاومة الذي استطاع التماسك أكثر.

خسارات استراتيجية فلسطينية
وفي سياق الخسارات الفلسطينية، فإن اتفاقية أوسلو مثلت “اختلالاً كبيراً” في مسار الحركة الوطنية الفلسطينية وتحييداً لمجموعة من الشعب الفلسطيني عن الصراع مع الاحتلال، بالإضافة لإبعاد مخيمات اللجوء الفلسطيني التي تصدرت حركة النضال، لسنوات طويلة، قبل الاتفاق، عن التأثير في المواجهة مع الاحتلال، يقول الباحث ساري عرابي.
وأضاف: اتفاق أوسلو لا يتحدث عن عودة اللاجئين الذين هم المادة الأساسية للقضية الفلسطينية، والثورة بعد النكبة، ونجح الاحتلال في تقزيم منظمة التحرير الفلسطينية، ولم تنجح القوى الإسلامية المقاومة إلى تعبئة الفراغ الذي نجم عن تقزيم المنظمة إلى سلطة في الأراضي المحتلة عام 1967، بالإضافة إلى أن الاتفاق أشعر أهلنا في الداخل المحتل عام 1948 أنهم أصبحوا خارج معادلة الصراع، لأن أوسلو هو اتفاق مبادئ يتحدث عن الاحتلال في الضفة وغزة والقسم الشرقي من القدس، وهذا عزز من التوجهات نحو “الأسرلة” والنضال تحت سقف “الكنيست”، وهذا ليس على إطلاقه بل شارك أفراد من الداخل والمخيمات في النضال، خلال انتفاضة الأقصى والهبات اللاحقة وخاصة في أيار/ مايو 2021، وهذا لا ينفي الخلل الاستراتيجي الذي أحدثته اتفاقية أوسلو”.

انتفاضة الأقصى… انقلاب على أوسلو؟
مثلت انتفاضة الأقصى حدثاً شديد الأهمية في تاريخ النضال الفلسطيني ضد الاحتلال، من داخل الأرض المحتلة، خاصة في مرحلة شهدت اتفاقيات تسوية بين أحد أكبر حركات التحرر في الواقع الفلسطيني مع “إسرائيل”، والمشاريع التي تصاعدت حينها من قبل القوى الدولية والإقليمية على رأسها الولايات المتحدة لإنهاء فرصة تجدد حركة المقاومة الفلسطينية، وشكل انخراط حركة فتح والأجهزة الأمنية فيها مع التقاط حركات المقاومة الإسلامية “الجهاد وحماس” أنفاسها ثم إعادة تجديد تنظيمها السياسي والعسكري، والخسائر الكبيرة التي تكبدها الاحتلال جراء العمليات التي استمرت لسنوات، وحملة الاغتيالات التي نفذتها الأجهزة الأمنية والعسكرية في دولة الاحتلال لقادة من مختلف مستويات الهيئات التنظيمية للفصائل، ثم تحرير غزة، والانقسام الفلسطيني عام 2007 بعد الاشتباكات بين فتح وحماس على خلفية فوز الأخيرة في الانتخابات التشريعية، عوامل مهمة في بحث تأثيرات “أوسلو” في الواقع الفلسطيني.
والسؤال الحاضر دائماً في النقاش الفلسطيني على المستوى التنظيمي والسياسي، هو هل أتيحت فرصة استراتيجية لفصائل المقاومة المعارضة لمسار التسوية لخلق مشروع واقعي بديل، في تلك السنوات. 
الباحث السياسي والكاتب ساري عرابي يرى أن فصائل المقاومة وعلى رأسها الإسلامية أو حتى الفصائل صاحبة مشروع التسوية “لا تملك برنامجاً واسعاً للنضال الفلسطيني”، وأضاف: أكبر حركات المقاومة الفلسطينية حماس يتراوح خطابها بين التحرير الكامل، أو الموافقة على دولة في حدود 1967، وأحياناً تخرج أصوات تدعو لمشروع “دولة واحدة”، وكذلك الجهاد الإسلامي لا تقدم رؤية كلية صحيح أنها تدعو لتحرير كامل فلسطين، لكن هذا لا يمنع خروج أصوات تدعو لمشروع مرحلي على طريق التحرير الكامل.
ويعتقد أن دخول قطاعات واسعة من فتح، في انتفاضة الأقصى، ساهم في “خلط البرامج والمشاريع” على الساحة النضالية الفلسطينية، وتابع: عند الحديث عن القوى الكلاسيكية/ التقليدية المنظمة يصعب توقع أن ينهي فصيل لوحده مرحلة “أوسلو”، دون وجود قدر من الإجماع الوطني والتفاهم بين هذه القوى.
واعتبر أن نهاية أوسلو ستكون عن طريق “التآكل التدريجي في بنيته” و”التحولات السياسية والاجتماعية التي طرأت على القوى التي رعت الاتفاق”، بعد أن انتهى من ناحية قانونية بعد أن لم يتحول إلى اتفاق نهائي، وقال: أوسلو أصبح متجسداً فقط في هياكل سلطوية بلا أفق ولا مشروعية سياسية وهذا ما قد ينهيه وليس الفعل الفصائلي إلإ إذا قادت إحدى الفصائل حالة كفاحية وساعدت نحو هذه الحالة، لكن في سياق انتفاضة الأقصى كان صعب على الفصائل إنهاء أوسلو، خاصة أن بعض التصورات كانت ترى أن الانتفاضة كان يجب تحرير الضفة المحتلة، وهذا نوعاً ما على قاعدة “أوسلو”، ويجب على قوى المقاومة أن تضع شعارات وأفكار لتحقيق إنجازات على سياق التمرحل التاريخي على طريق تحرير فلسطين.
وحول شعار “الانفكاك عن أوسلو”، قال: الانفكاك عن أوسلو ليس له معنى إلا بإلغاء الاتفاق، إذا لم يكن هناك تصور للخروج من الهياكل السلطوية الواقعة تحت الاحتلال فلا انفكاك منه، والخيار الأفضل هو الاتفاق على برنامج بين الجميع على مشروع معقول بأدوات تحقق لنا إنجازات جزئية على طريق التحرير الشامل، لكن قيادة مشروع التسوية واضح أنها لا تريد اتفاقاً من هذا النوع، والخيار الثاني هو استمرار المقاومة والمدافعة مع الاحتلال والانكشاف السياسي لقيادة التسوية هو ما قد يقود للانفكاك النهائي عن “أوسلو”.
ويرى الأسير المحرر محمد جرادات أن “قوى المقاومة ترى أن هناك طريقاً ثالثاً”، بين هدم السلطة أو الاستمرار في أوسلو، وأوضح: يمكن الحفاظ على هذا الكيان ثم التوصل لاتفاق مع فتح والمنظمة على برنامج نضالي مشترك والحفاظ على زخم المواجهة مع الاحتلال دون الاصطدام مع السلطة.
وتابع: لكن للأسف الإقليم يريد إبقاء الداخل الفلسطيني ضمن تحالفات ما بين القبول الحل السياسي أو رفضه والواقع الذي نشهده اليوم يشير إلى ذلك.

وفي هذا السياق، يقول الباحث وطالب الدكتوراة عبد الجواد حمايل، إن أوسلو خلقت جغرافيتين هما “الضفة وغزة”، وتابع: استطاعت جغرافية غزة من خلال فضاءات الدفاع الذاتي أن تتوسع وتحرر غزة، وكانت نتيجة الانتفاضة هي التخلص من الاستيطاني المادي المباشر على الأقل في نطاق جغرافي لأول مرة في فلسطين، واستطاعت الانتفاضة إرهاق الاحتلال وأتاحت لقوى مقاومة أخرى تقوية وجودها، كما حصل في حرب 2006، وما حصل في الضفة أن تيار المقاومة تعرض لضربات كبيرة على المستوى القيادي والتنظيمي ثم نشأت حالة تجاوزت المقاومة، خاصة مع رحيل وغياب الصف الأول مثل ياسر عرفات وأبو علي مصطفى وإبراهيم حامد وغيرهم الكثير.
واعتبر أن الانتفاضة أسفرت عن “انتصار محدود وهزيمة محدودة” في كل جغرافية من الجغرافيتين، ورداً على سؤال حول أسباب عدم استمرارية الانتفاضة أكد أن “الإرهاق الذي حصل للمجتمع الفلسطيني هو أحد أهم الأسباب الموضوعية لعدم الاستمرار”، وقال: جيل كامل قاتل في الانتفاضة الكبرى كما أسميها أي من انتفاضة الحجارة حتى نهاية انتفاضة الأقصى، بعضه نجا ولم نعرف عنه وجزء اعتقل ونسبة كبيرة استشهدت، وجزء مهم من هذا الجيل يعيش في فضاء “الهزيمة”، النفس أخذته المقاومة من صعود جيل جديد له شروط جديدة في المواجهة.
وأضاف: رسم الصورة حول انتفاضة الأقصى يجب أن لا يخضع للحسم في قضية أين النقطة التي حسمت الظروف، لذلك اعتقد أن الانتفاضة لم يكن لها أن تستمر بسبب كل هذه الظروف الموضوعية، حتى حركة حماس فقدت في مرحلة معينة القدرة على تجديد التنظيم، رغم أنها اشتغلت كثيراً على تجديد هياكلها التنظيمية، بسبب الاستنزاف الكبير والاختلاف السياسي وتوجه فتح نحو إعادة بناء المؤسسات، والانقسام السياسي وغيرها.
وتابع: القوى الإسلامية تطرح نفسها كبديل عن أوسلو بالإضافة لوجود معارضة داخلية من داخل منظمة التحرير، لكن أسباب عدم اجتماع كل الأحزاب المعارضة في مشروع سياسي متعددة، بينها المنافسة التي كانت بين الفصائل في الانتفاضة، وجزء منها الاختلافات الأيدلوجية والخوف من الآخر الحزبي، وفي السياسة الفلسطينية نلمس فكرة “العمل لوحدنا” في ظل غياب فكرة “الجبهة الوطنية الكاملة”.

المقاومة الحالية في الضفة… كيف نفهمها؟
وحول علاقة الحالة الراهنة من المقاومة في الضفة بالتحدي الذي خلقه أوسلو، قال: نحن في الضفة المحتلة في معركة “الوجود” وليس تحسين شرط البقاء أو تحرير الأرض، التيارات الصاعدة في دولة الاحتلال تعمل على تغيير القوى على الأرض، لذلك الحاجة للدفاع الذاتي تتمظهر بالجيل الجديد، من خلال المقاومات الصاعدة والفضاءات السياسية حولها في شمال الضفة وغيرها.
وأضاف: معركتنا تجاوزت منذ زمن “أوسلو” كاتفاق يوصلنا للسلام مع “إسرائيل”، وما بقي هي بنية السلطة التي تشتري صمت الطبقة الوسطى والطبقة الوسطى الدنيا، من خلال إشغالهم بالعمل البيروقراطي، والاقتصاد القائم على الهويات الاستهلاكية التي تعيش فضاء ما بعد سياسي، نوعا ما هذه المقاومات تظهر ضمن هذا السياق وفي جزء من فكرتها تحاول تقديم نفسها كمقاومة تتجاوز الأحزاب، لذلك هي حالة أقل “من سياسية” بمعنى لا يوجد لديها طموح على الأقل، في خطابها، لتجاوز السلطة أو إقامة مشروع مكانها، وفي نفس الوقت وجودها يعبر عن ضعف المؤسسة الحكومية القائمة على بقايا أوسلو، هي حالة وجود وتعدي ولكن لم تتبلور بالشكل الكافي للحلول مكان السلطة أو تقديم مشروع سياسي آخر.
هل تغير مجتمعنا بعد أوسلو؟
اعتبرت دراسات اجتماعية وتاريخية متعددة أن المجتمع الفلسطيني طرأت عليه “تغييرات عميقة وسلبية”، بعد أوسلو، خاصة في سياق تعزيز “السيطرة الاقتصادية” للاحتلال على الضفة وغزة، وغياب قيم مثل “التطوع” وغيرها عن السلوك المجتمعي الفلسطيني، خاصة أن هذه المرحلة جاءت بعد انتفاضة الحجارة التي تعتبر من جانب قطاعات واسعة فلسطينياً حراكاً شعبياً ضخماً، بالإضافة لتعزيز قيم “الاستهلاك” وغيرها.
يقول الأسير المحرر والكاتب، محمد جرادات، أن بعض تأثيرات أوسلو كانت على جزء من الكوادر التي نشطت في الانتفاضة الأولى، من خلال “وهم حصد إنجازات سريعة”، وتابع: انتفاضة الأقصى أثبتت أن هذه تأثيرات في الشكل وليس الجوهر ثم اندلعت عدة هبات ووصلنا إلى هذه المرحلة تأكد فيها الاحتلال أن أوسلو لم تنجح في كي الوعي الفلسطيني وتزييف حقائق الجغرافيا والتاريخ وبقي الميدان مشتعلاً بالمواجهة لذلك الفلسطيني بقي كما كان قبل أوسلو وبعدها يواجه الاحتلال.
واعتبر أن الاحتلال مستمر في إضعاف السلطة لأنه من وجهة نظره “العربي الجيد هو العربي الميت”.
الباحث والطالب في برنامج الدكتوراة، عبد الجواد حمايل، يعتقد أن هذه النظرة القاتمة تأتي من مكان له علاقة برواية تجربة ما سبق أوسلو، إن كان منذ انطلاق الثورة الفلسطينية أو حالة الانتفاضة الأولى، وتابع: المجتمع تعقد والطبقات الاجتماعية اختلفت، وهذا حصل في كل العالم، وليس فقط بسبب “أوسلو”، صحيح أنها كانت المدخل لكن هذا التغيير الذي يتمحور حول “الحداثة الاستهلاكية” كان واقعاً في التغييرات العالمية.
وتابع: اتفاقية “أوسلو” تحمل تغييرات ليس لها علاقة بها، مثل التغييرات الاجتماعية، في علم النفس التحليلي يتحدثون عن الرمز الذي نضع عليه كل المشكلات، أو هو لحظة “تكثيف” الشر في الواقع الاجتماعي والسياسي الفلسطيني، أي مظهر قديم أو جديد يجري إحالته لاتفاقية أوسلو، سواء فقدان الأخلاق أو تراجع التربية الفردية أو غيرها من القضايا الاجتماعية، الجيد في الموضوع أن الناس ترى أنه لحظة “خراب”، لكن الإشكالية أنها ترفع النظرة إلى “الخراب” مريح على المستوى الفردي، بمعنى أن الناس يريحون أنفسهم من خلال القول أن “القيادات خائنة” وهذا يريحنا من المسؤولية عن خلق حراك سياسي واجتماعي في المواجهة، وهذا ليس بالمطلق.
وتابع: القدرة على الاستمرار في الحياة اليومية كأن شيئاً لم يحدث، خاصة بين الطبقة الوسطى، والخطورة في أوسلو أنها انتجت طبقات قادرة على العيش “ما بعد سياسي”، بمعنى منح الناس خيارات تجاوز الانتماء السياسي إلى الاستهلاكي، وهذا ناتج عن تفاعلات المجتمع مع الاتفاقية نفسها.
في مسار آخر فإن اتفاقية أوسلو دفعت المقاومة نحو تطوير قدرات وخيارات من أجل تجاوزها، يضيف حمايل في لقاء مع “شبكة قدس”، ويتابع: أحد الإشكاليات في قراءة أوسلو هي عملية التحقيب دون النظر إلى الانتفاضة الثانية لذلك أرى أن تعظيم الاتفاقية على حساب انتفاضة الأقصى التي لم تعجب بعض الأوساط بسبب أخذها المنحى العسكري، رغم أن هذا الاتجاه نحو العمل العسكري “العنيف” ليس له علاقة بأوسلو فقط، بل التحول الأساسي نحو الشكل الهجومي والتغييرات على الهيئة التنظيمية للمقاومة، ليس له علاقة بمرحلة ما بعد أوسلو أو صعود القوى مثل الجهاد وحماس، بل له علاقة بالانتفاضة الأولى والحوار التكتيكي العسكري مع العدو، جراء كمية العنف التي مارسها ضد الفلسطينيين.
ويعتقد أن على البحث والتداول السياسي الفلسطيني يجب “إعادة التفكير في مفصلية أوسلو في التحقيب خلال عملية البناء التاريخي”، وقال: حتى تنظيمات منظمة التحرير التي آمنت بالتسوية تجاوزت خلال انتفاضة الأقصى لحظة أوسلو صحيح أن التيار الذي مع أوسلو انتصر في النهاية لكن انتصر بحكم المعركة التي لو كانت لها نتيجة أخرى لم نكن نعيش هذا الوضع الحالي الذي نعيشه في الضفة.
وعن مركزية الانتفاضة الأقصى في الرد على سؤال أوسلو ودور الرئيس ياسر عرفات، قال: أبو عمار أتاح كقائد لحزب مهم في لحظة مفصلية الدخول في حالة الانتفاضة، والدلالة على ذلك هو الواقع الراهن، حيث العوامل الحاضرة في مرحلة سابقة لاندلاع انتفاضة والتقنيات العسكرية التي طورتها المقاومة في فترة التسعينات، ولم تندلع الانتفاضة إلا بقرار من الرئيس عرفات الذي هاجم على الاحتلال بدلاً من المجتمع الفلسطيني، بقي التناقض الداخلي لكن بصورة أخف من السابق، وهذا شرط من شروط الانتفاضة، ولم يتحقق الآن.
في السنوات الماضية، اكتسبت تنظيمات التيار “الصهيوني الديني” قوة كبيرة في الحياة السياسية والاجتماعية، في دولة الاحتلال، ونجحت في انتخابات “الكنيست” الأخيرة من الوصول إلى الحكومة والحصول على مقاعد سيادية فيها، وهو ما يطرح تساؤلات حول مستقبل العلاقة بين “إسرائيل” والسلطة وهل سيقدم الاحتلال على إنهاء المؤسسات السياسية والأمنية الفلسطينية، لصالح مشروع “حكم ذاتي”، وحسم السيطرة على الضفة.

التيارات الصاعدة في دولة الاحتلال وتحدي “التسوية”
ويرى الدكتور محمد خلايلة أن في دولة الاحتلال توجهين للتعامل مع السلطة وأوسلو، وأضاف: اليمين الصهيوني الديني يفكر في ضم الضفة ويعمل على توسيع الاستيطان، لكن في الفترة الأخيرة ظهرت بوادر خلال حركة الاحتجاج على “التعديلات القضائية” طرح العلاقة بين “القيم الديمقراطية” واستمرار الاحتلال، وهذا الفرز آخذ بالتصاعد في الفترة الأخيرة، بعد أن فشلت حركة الاحتجاج في ضم “اليمين الليبرالي” إليها، في ظل النقاش عن صورة “إسرائيل” في العالم والعلاقة مع الولايات المتحدة.
وعن مستقبل خطة “الحسم” للصراع التي وضعها وزير المالية في حكومة الاحتلال، بتسلئيل سموتريتش، وكشف عنها مؤخراً قال خلايلة: الحركة الصهيونية ليست حركة صماء بل بينها تباينات، صحيح أن سموتريتش اكتسب قوة مع التيارات “الفاشية” مؤخراً، لكن توجد قوى سياسية اتجهت نحو التمركز في الوسط أو “اليمين الليبرالي”، لكنها ما زالت تعارض هذا التوجه، والعامل الفلسطيني ما زال قوياً، والفلسطينيون داخل الخط الأخضر هم قوة لا يستهان بها، بالإضافة للدول العربية التي رغم توصل بعضها لاتفاقيات تطبيع تريد تسوية سياسية قائمة على “حل الدولتين”.
وأضاف: اللازمة التاريخية تقول إن الفلسطينيين يجب أن يحصلوا على حقوقهم في الدولة وحق تقرير المصير.